كان من أجمل روائع ما كتب الأمير محمد العبدالله الفيصل من القصائد المغناة بعد رائعته الشهيرة «مقادير»، قصيدة أخرى صدح بها أيضاً رفيق دربه الآخر، الفنان طلال مداح، وكانت بعنوان «لبيه». يقول مطلع هذه القصيدة «لبيه.. لبيه.. يا ليل الهوى لبيه.. مشتاق أنا للحبيب مشتاق»، ولم يتوقف نهر عطاء الأمير محمد العبدالله الفيصل عند ذلك، بل كتب قصائد عدة مغناة التي لاقت رواجاً كبيراً. كان الأمير «الفقيد» يكتب قصائد السهل الممتنع، التي عبّرت عن أحاسيسه وروحه، فتارة يكتب بالمفردة الحجازية وأخرى بالمفردة النجدية وثالثة يمزج فيها بين المفردتين في عذوبة متناهية كعذوبة قلبه المتعب، ومن بيت الأمير عبدالله الفيصل (رحمه الله) أخذ نجله الثاني محمد العبدالله كل صفات والده واهتماماته، فكان أحد أبرز شعراء القصائد المغناة، وفي الجانب الرياضي، يعد الأمير محمد العبدالله الفيصل رمزاً من رموز الرياضة السعودية وقامة رياضية كبيرة. شكَّل الأمير محمد العبدالله مع الأمير خالد بن عبدالله ثنائياً أهلاوياً فريداً، بل إن حال العلاقة بين الأميرين كانت وحدها قصة لا يكتبها إلا الكبار أمثالهما، فقد عبَّرت لقاءاتهما المتكررة عن حب صادق وعلاقة أخوية وتقدير من كل طرف للآخر، ولعل اللقاء الأخير الذي جمعهما في مركز الأمير عبدالله الفيصل لقطاعي الناشئين والشباب يؤكد حجم العلاقة القوية بينهما، حتى وإن ابتعدا عن بعضهما لفترات، وعندما يقول الأمير خالد بن عبدالله في مرثيته لقد فقدت رفيق دربي كما عبّر عن ذلك، فتلك هي قصة حبّ من نوع خاص. لقد كان الأمير محمد العبدالله الفيصل (رحمه الله) ركناً مهماً من أركان الرياضة السعودية والنادي الأهلي على وجه الخصوص، ففي هذا النادي له ألف حكاية وحكاية، ولو يوثق التاريخ كل شيء، لقال الكثير والكثير عن محمد العبدالله الفيصل، ولكن يكفي أن نعرف أن النادي الأهلي كان يمثل ل «أبي تركي» قصيدة كتبها ذات مساء. كنت ألتقي بالفقيد الكبير في مناسبات عدة، وكنت أحرص على زيارته في منزلهم العامر، وعلى رغم أنه كان يرى في شخصي أنني أميل إلى حزب آخر - وفق هذه التصنيفات - التي كرس لها كثيراً بعض الذين لا يهمهم شأن النادي الأهلي واستقراره، إلا أنني كنت أشعر بصدق مشاعره نحوي، وكنت أحمل له تقديراً كبيراً، ولن أنسى أبداً يوم أن أتيته في أبها، وكان يرافقني الزميلان الدكتور حسن السريحي وفيصل الغامدي، وكنت آنذاك رئيساً للقسم الرياضي في صحيفة «الوطن»، والأمير يترأس اللجنة العليا لدورة الصداقة الدولية، وكان ذلك عام 1999، فوجهت له الدعوة للاحتفاء به، فوافق، ووجهت له الدعوة لزيارة الصحيفة فوافق. كان الفقيد يميل بطبعه إلى البساطة وعدم التكلف في الحديث، وأبرز ما كان يميز شخصيته صراحته المتناهية، فهو لا يخفي شيئاً، يحب المواجهة ويحترم من يحاوره ويرسل بعض التعليقات الساخرة، لكن ذلك كله لا يلغي روحه المرحة، وصفاء نيته وتقديره لجميع من يقابله. التقيته آخر مرة قبل رحلة علاجه في حفلة زواج لاعب فريق الأهلي محمد مسعد، وأصرَّ مرافقه الصديق عبدالله باكدادة على أن أجلس إلى جواره، تحدثنا في كل شيء، وعندما جاء بعض لاعبي الأهلي ممن حضروا المناسبة كان يداعبهم واحداً واحداً، لكنه أشاد كثيراً باللاعب الشاب منصور الحربي، وقدَّم له بعض النصائح، وانتقد زواج اللاعبين قبل نهاية الموسم. رحم الله الأمير محمد العبدالله الفيصل - فقيد الرياضة السعودية - وأحد أهم وأبرز رجالات النادي الأهلي، والعزاء لرفيق دربه الأمير خالد بن عبدالله ولإخوانه وأبنائه وأحبابه وأصدقائه ولجماهير النادي الأهلي وللإعلام الرياضي السعودي، فقد كان الفقيد صديقاً للإعلاميين كافة. و«لبيه.. مشتاق أنا للحبيب مشتاق».. فإلى جنة الخلد أبا تركي. [email protected]