رحل الأمير المبدع صاحب السمو الملكي الأمير محمد العبدالله الفيصل بشكل مفاجئ وبدون مقدمات، وجاء الرحيل في شهر مبارك.. شهر كريم.. شهر رمضان، فكان ذلك عزاء كريمًا بالنسبة لمحبيه وجمهوره. انطلقت رحلة الأمير محمد العبدالله الفيصل مع إبداعاته في المجالات الفنية والشعرية والثقافية والرياضية منذ زمن طويل، فقد عاصر -يرحمه الله- بدايات الفن والرياضة في بلادنا الحبيبة، فكان ولا يزال أحد فرسانها، وليس ذلك فقط، بل إنه أحد داعميها ومؤازريها وأحد الذين أسهموا في الرقي بها. في رحلة الشعر والفن قدم سمو الأمير محمد العبدالله عطاءات كبيرة، لقد تميّزت أشعاره الغنائية بسهولة مفرداتها وعمق معانيها، وكانت كلمات قصائده نابعة من أحاسيسه، مما يجعل المتلقي لها يتفاعل معها. لقد كتب الأمير الراحل أجمل الأغنيات، وتغنّى من كلماته مطربون ومطربات سعوديون وخليجيون وعرب، ولحّن قصائده كبار الملحنين، وأنجح وأروع الأعمال الغنائية للمبدع الراحل الأمير محمدالعبدالله الفيصل كانت مع الفنان الكبير طلال مدّاح -يرحمهما الله-، حيث غنّى أجمل قصائده، وكانا في فترة من الفترات ثنائيًا رائعًا يضاف لهما الموسيقار سراج عمر، فبكل صراحة هذا الثلاثي قدم أعمالًا فنية تاريخية تُسجل بامتياز في سماء الفن السعودي والعربي. لقد قدم هذا الثلاثي مجموعة من الأعمال الفنية الخالدة، نذكر مثلًا: طال السكوت بينا، وما عندي استعداد، وأنادي، ولبيه، والقمر طالع والليالي حنونة، وصابرين، ولا وعد، والرائعة العربية مقادير، وأغراب، ولا تقول، وأنا راجع أشوفك، وأعمال كثيرة أخرى، ورغم أن كل المطربين السعوديين تغنوا من كلمات الأمير الراحل، إلا أن الفنان طلال مدّاح كان أميزهم واستطاع أن يحلّق بكلمات الأمير محمد العبدالله الفيصل في سماء الإبداع، وأنجح الأعمال الغنائية للراحل كانت بصوت طلال مدّاح. كما عُرف عن الأمير محمد العبدالله الفيصل -يرحمه الله- دعمه الكبير واللا محدود للأصوات والمواهب الشابة، وكثير من فنانينا وجدوا الدعم منه، وقد أثرى دعم سموه في هذا المجال الساحة الفنية في المملكة، وشجع المواهب الشابة ودفعها للانطلاق إلى ساحة الفن والغناء، وأعرف أن سموه كان بمجرد أن يسمع عن موهبة شابة أو صوت شاب مميز، يطلبه فورًا ويشجعه ويدعمه بشكل كبير، وفي السنوات الأخيرة ابتعد الأمير محمد العبدالله الفيصل عن ساحة الرياضة التي أتعبته وأرهقته، فكان هذا الابتعاد الرياضي فرصة لأهل الفن ونجومه، وفعلًا كثّف سموه تواجده الفني، وقدم أكثر من صوت شاب أمثال: عباس إبراهيم ومحمد المشعل وأنس، وغنّى من كلماته عدد من المطربين والمطربات العرب، وأعجبتني قصيدة سموه -يرحمه الله- التي غناها مؤخرًا كاظم الساهر (يا سيّدي المحترم.. قلبي معاك انظلم). إن كل الكلام لن يفي ما قدمه هذا المبدع الكبير من عطاءات وأحاسيس صادقة ومعبّرة. ولا شك أن هذا الرحيل المفاجئ الصادم سيترك أثره في الساحة لفترة ليست قليلة، فالمبدعون لا يعوضون. حقيقة لقد خسرنا الكثير بهذا الرحيل، فسوف نفتقد شخصية محبوبة طالما أسعدتنا بتواجدها وبآرائها وإبداعاتها. إنني وأنا أتابع واقرأ ما قيل وكُتب في الفقيد الكبير، أدركت مدى ما يحمله عشاق هذا المبدع من حب وتقدير ووفاء له، وبالطبع هذا لم يأتِ إلا من خلال إنسانيته وتواضعه، ومن خلال ما قدمه من إبداعات. لقد كان تأثر الجميع كبيرًا بهذا الرحيل، وقد جسّد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أروع الحروف في رثاء ابن أخيه ورفيق دربه ورفيق مشوار الشعر والفن، فجاءت قصيدة «عطّار الأخلاق» حاملة أسمى معاني الوفاء. وكذلك الحال مع صاحب السمو الأمير بندر بن فهد والذي كان الحزن والتأثر الكبيرين باديين عليه بشكل لا يمكن مواراته، فالأمير بندر فقدَ رجلًا لا يُعوّض.. صديقًا يندر تكراره.. عضدًا مخلصًا، ولم يستطع الأمير بندر أن يجد ما يروي حرقة الرحيل المفاجئ إلا قصيدة تسطّر أحاسيس القلب الصادق المتألم، فجاءت قصيدة «أحن لك واشتاق وأدورك وين»، لعلها تطفئ شيئًا من لهيب الرحيل المر. إنني لا أملك كغيري سوى الدعاء للمولى الكريم أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته.. وأن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان على هذا الفراق. عزاء خاص أبعثه إلى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل.. وإلى صاحب السمو الأمير بندر بن فهد.. وإلى كل محبي الفقيد يرحمه الله.. وإنا لله وإنا له لراجعون. إحساس عمري ما قد قلت أحبك... بس قلبي قال لقلبك أحبك.. والعيون مني حكت.. والمشاعر لك شكت.. تشكي على الطرف الخجول.. وانت لا لا لا تقول.. خلي العيون عنك تقول.