يصل عدد الحالات الجديدة من الاصابة بمرض السرطان في الجزائر إلى حوالى 44 ألف حالة، بحسب الاحصاءات الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة الصحة. وتُعيد الوزارة ارتفاع هذه الأرقام إلى طريقة عيش الجزائريين، ووعد مسؤولها بالتصدي لهذا المرض والعمل على الحد من انتشاره، اذ يُشكِّل أحد الأسباب الأولى التي تقتل الجزائريين. غير أن الواقع مغاير، فالمرض الفتاك وجد تكفّلاً ضعيفاً وغير مجد، ونقصاً كبيراً في الأدوية، ما سمح له بالانتشار وكلّف الجزائر المرتبة الأخيرة في ترتيب المنظمة العالمية للصحة حول التصدي لأربعة أمراض من بينها السرطان. وكانت الحكومة الجزائرية خصّصت صندوقاً وطنياً لمحاربة مرض السرطان ب35 بليون دينار من أجل التكفل بمرضى السرطان الذين يزيد عددهم كل سنة، غير أن مستوى التكفل يبقى متردّياً نتيجة نقص الأدوية والمعدات وحتى المختصين الذين لا يعرف كثيرون منهم ما يجري من تحديث في علاج السرطان لدى الجيران الأوروبيين وفي العالم. وفي حين يقف المطلعون منهم، شبه عاجزين أمام ما يقدمه العلم بسبب نقص الامكانات والفوضى المستشرية. والنتيجة وفاة كثيرين من المرضى قبل حتى أن يصل دورهم في جلسات العلاج الكيماوي والأشعة. يعيش هؤلاء المرضى وعائلاتهم في ظلّ غياب كامل لنظام علاجي واضح، أو مساعدة نفسية واجتماعية لهم ولعائلاتهم، شيئاً من المأساة الإنسانية. ويصف وزير الصحة ضعف التكفل ب «النقائص التي تعمل الدولة على تقليصها»، ويعني به استفادة ثمانية آلاف مريض فقط من جلسات العلاج بالأشعة، مقابل 20 ألف مريض ما زالوا في انتظار دورهم الذي قد لن يأتي لأن الموت يتربص بهم. ويصف المرضى صراعهم مع هذا المرض بالمرير، ويقول محمد: «أُصبت بالذعر عندما تعرفت على مرضي، وكان ذعراً مضاعفاً لأنني أعلم بأن التكفل غير موجود والمريض يعاني الأمرّين للحصول على الدواء والمتابعة في ظروف استشفائية أشبه بظروف الحرب العالمية الثانية». ويشتكي المرضى من مشكلة التكفل وتقول صفية: «الصيف الماضي تعطلت جميع أجهزة العلاج بالأشعة، وفي الشتاء وقعت مشكلة تموين بأدوية العلاج الكيماوي التي لا يمكن المريض شراءها، فوقعت كارثة وانتظرنا طويلاً قبل أن تستأنف جلسات العلاج، ما أدى إلى وفاة بعض المرضى قبل أن يصلهم الدواء». وتواجه وزارة الصحة شكاوى متصاعدة في شأن العجز في التكفل بهذا المرض بالأرقام. وتوضح الوزارة أن ثلث فاتورة الدواء التي تدفعها الجزائر تذهب لعلاج مرض السرطان، وأنها تسعى إلى إنشاء 57 مركزاً لعلاج السرطان، كلفة الواحد منها ثمانون بليون دينار، وتأتي لتدعيم المراكز الخمسة الموجودة حالياً في البلد بما فيها المركز العسكري، والتي تبقى غير كافية. أما المرضى وجمعيات مرضى السرطان فيدقون ناقوس الخطر ويطالبون الحكومة بالإسراع في التكفل بالحالات الاستعجالية التي لا تحتمل تأخيراً أو انتظار تحقيق المشاريع المعلنة. وينتظر 28 ألف مريض، موعداً لبدء العلاج بينما يعاني القطاع من نقص في عدد المختصين يبلغ 10 آلاف مختص، إذ لا توفر الجزائر إلاّ حوالى 4 آلاف مختص في علاج السرطان. وبحسب رئيس مصلحة أمراض الدم بمستشفى وهران، البروفسور محمد أمين بن قاجة، فإن مرض السرطان يشكل «هاجساً صحياً في الجزائر، بسبب ارتفاع الإنفاق مقابل ضعف المردود». ويركّز بن قاجة على ضرورة الإهتمام بالوقاية وبذل مجهود للتقليل من نسبة انتشار الأمراض السرطانية التي يمكن الوقاية منها، ومن نسبة الوفيات التي تسبّبها أو على الأقل رفع نسبة الفحوصات التي تساهم بالكشف المبكّر عن المرض. ويرى ضرورة إنشاء شبكات للتكفل النفسي والإجتماعي بالمرضى، من خلال إنشاء ما يشبه الخلية التي تتكون من جمعيات مرضى السرطان وإعلاميين، ومختصين إجتماعيين ونفسانيين، وأطباء، إضافة إلى ترتيب دورات مستمرّة لتدريب الأطباء المختصين، والتحكم في كل الوسائل المادية من أجل نجاح في الأداء. وتحتاج الجزائر إلى «ثورة» حقيقية في مجال التسيير الصحي كي تتمكن من التحكم والتكفل بالمرض، وكان مدير مستشفى غرونوبل الفرنسي خلال زيارة سابقة للجزائر، البروفيسور لوتوبلون، قال إن «التكفّل بمريض سرطان واحد في فرنسا، يتم من خلال فريق كامل من المختصين، وهو أمر لا يقتصر على المصابين بمرض السرطان وإنما ينسحب على أمراض مختلفة أخرى مثل الأمراض الداخلية والأسنان والعيون وغيرها، وتوفّر فرنسا كل الوسائل المادية والإدارية من أجل تسيير ناجع لكل حالة»، وهي ظروف ما زالت الجزائر بعيدة منها وتحتاج إلى بذل مجهود واعٍ وذكي ومنظم من أجل تحقيقها. وتنظر بعض المنظمات الإنسانية إلى مشكلة التكفل بمرضى السرطان، بعين حقوق الإنسان على اعتبار أن المواطن غير مسؤول عن عجز حكومته في التسيير ومن حقه العلاج بكرامة، كما تكفله القوانين الداخلية أيضاً كقانون الصحة إلاّ أن الأمور تبدو راكدة وغير قادرة على التغيير، بحسب رأي المختصين.