تحول ما كان يفترض أن يكون إجازة طويلة و «مريحة» بالنسبة للأسر السعودية، إلى ما يشبه «الحصار العنيف» الذي يضيّق خناقه عليهم من كل اتجاه، مستنزفاً ما في الجيوب والخزائن وحسابات التوفير من أموال، لمجابهة متطلبات إجازة الصيف بأعراسها وحفلاتها ورحلاتها التي تزامنت مع شهر رمضان بمتطلباته المختلفة، والعيد بزينته وكسوته،... ويليه مباشرة بدء موسم الدراسة وما يرافقه من أقساط ومستلزمات وكتب ومواصلات... والقائمة تطول. وتتذمر أم علي عند كلامها عن تزامن الإجازات الثلاث المدرسية ورمضان والعيد في وقت واحد، وما يليها مباشرة من دخول إلى المدارس، معتبرة أن ذلك يسبب «ضغطاً كبيراً على موازنتها المالية، على رغم أنها ليست من ذوات الدخل المحدود ولا تعتمد على مرتّب يأتي نهاية كل شهر فقط». وتقول: «أفكر عندما ارتاد السوق هذه الأيام في الأشخاص الذين تعتمد حياتهم على مرتب شهري ثابت، كيف يتصرفون مع اجتماع هذه المواسم المرهقة التي تجمع في طياتها متطلبات أعراس ومتطلبات عيد ومستلزمات مدرسية؟». وتؤكد أن هذه الأشهر الثلاثة تجمع غالبية مصروفات الأسرة السنوية، وتبقي الشهور الأخرى للحاجات اليومية التي لا بد من شرائها، والتي غالباً ما تكون كلفتها قليلة مقارنة بما يتم شراؤه في المواسم. ويعتبر عبدالله، موظف في القطاع الخاص، اجتماع هذه المواسم فرصة جميلة لقضاء أوقات سعيدة برفقة العائلة والأصدقاء، «لولا اصطدامها بمعضلة المصروفات الباهظة التي تسبّبها»، مؤكداً أنه يضطر إلى الدخول في «جمعية» تستقطع جزءاً غير قليل من مرتبه الشهري طوال أيام السنة، من أجل محاولة التوفيق في شراء المستلزمات الكافية له ولأسرته، والتمتع بقضاء إجازة هادئة لا تنغّصها قلة ذات اليد. وتبدي حنان (ربة منزل) انزعاجها من رزمة المواسم المتتالية، وتقول: «لا نكاد ننتهي من شيء، لندخل بشيء آخر»، شارحة: «ما لبث أن انتهينا من وضع موازنة رمضان، حتى انشغلنا بتجهيز ملابس العيد وحاجاته. ولن نستطيع التقاط أنفاسنا قبل البدء بتجهيز حاجات المدارس من الزي المدرسي والحقائب والأغراض الأخرى، وكل هذا يستلزم موازنة خاصة». وتضيف: «في كثير من الأحيان لا يكفي ما يعطيني إياه زوجي لقضاء حاجاتنا، ما يضطرني للاقتراض أو عمل جمعية أتسلمها في كل موسم على نهاية شهر رمضان لتسيير الأمور». ويؤكد رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية، الدكتور محمد شمس، أن تداخل المواسم بعضها مع بعض يشكّل عبئاً على الفرد، خصوصاً لذوي الدخل المحدود. ويقول: «مع ارتفاع الأسعار في رمضان ثم العيد، ودخول المدارس بمستلزماتها تشكل ضغطاً، لأن من الصعوبة الالتزام بجميع هذه الأمور مرة واحدة». ويرى أن المستهلك السعودي «مسرف، ذو مصاريف عالية وأشياء غير ضرورية تدخله في الإسراف، لذا لا بد من معالجة مشكلة الإسراف، موضحاً أهمية الترشيد في الاستهلاك والإنفاق، «إذ يجعل كل مواطن له موازنته الخاصة بما يستطيعه، ويقدر عليه وعدم الدخول في الاقتراض، فهذا يفتح له نوعاً من القلق والديون ويفتح أبواب الربا»، مشدداً على أهمية الاجتماع بالأسرة ومعرفة المهم من الأهم. ويقول: «هذا شيء يبني كرامة الإنسان، لأنه عرف ما يحتاجه وابتعد عن مذلّة السؤال والحاجة».