أمس دخلت في معركة مع الأخبار العربية، فهي تراوح بين سيّء وأسوأ، وقررت أن أبعدها عن تفكيري لأنجو من الأرق وكانت معركة غير متكافئة لأنني أحارب ألف خبر «تجيب العصبي»، وركزت على أوروبا وأميركا ووجدتني أفكر في العم سام وماريان. هذا العم سام نعرفه جميعاً، إلا أننا لا نعرف منه غير صورة لرجل مسنّ لحيته رفيعة طويلة وأصبعه في وجه الناظر. العم سام من أمه ومن أبوه؟ هل له زوجة؟ هل عنده أولاد؟ ما أعرف عنه أنه رمز الحكومة الأميركية والنموذج يعود إلى حرب 1812 بين الأميركيين وقوات الاستعمار البريطاني، بما فيها المرابطة في المستعمرة كندا. والصورة المشهورة تعود إلى سنة 1916، والعم سام في ملابس تشبه ألوان العلم الأميركي، وهو يدعو إلى الاستعداد للحرب (العظمى، أو العالمية الأولى). وقرأت أن ملايين النسخ طبعت من هذه الصورة لاستنفار الناس، وأن أميركا عرفت رمزاً آخر لامرأة من ولاية كولومبيا، إلا أن هذا الرمز تلاشى بعد 1920. ماريان رمز فرنسا، وهي ككل شيء فرنسي يقارن بمثيله الأميركي، أصغر وأحلى، والشبه الوحيد لها مع العم سام أننا لا نعرف من أمها أو أبوها، وهل هي متزوجة من فرنسي، أو مهاجر، وهل لها أولاد؟ أفترض أنها آنسة ورمز للحرية والعقل أو حسن الإدراك، وهي تمثل انتصار الجمهورية، وقد نحت تمثالها الفنان هونوريه دومييه، وصورها تظهر على اليورو وطوابع البريد الفرنسية. هناك تفاصيل كثيرة عن العم والآنسة إلا أنني لا أراها مهمة، خصوصاً أنني أحاول أن أجد مادة تبعد القارئ عن مصيبته بالأمة التعبانة، وأتصور وضعاً يتزوج فيه سام وماريان فيبدآن ما نعرف جميعاً عن الرجال والنساء. الرجل اخترع السيارة، والمرأة بعد قرن ونيف لا تتقن القيادة كالرجل. هل هذا صحيح؟ شركات التأمين الأميركية تجعل المرأة تدفع تأميناً أقل من الرجل لأن جميع الإحصاءات يظهر أنها أقل عرضة لحوادث السير، والرجل هو الذي يقول حسداً أن المرأة لا تعرف القيادة، فنصيحتي له انه إذا أصرت زوجته على قيادة السيارات ألا يقف في طريقها. قرأت أن الرجل اكتشف السلاح والصيد، وأن المرأة اكتشفت معطف الفرو. وأن الرجل اخترع الألوان والرسم وأن المرأة اخترعت مستحضرات التجميل، وهو اكتشف النطق والحوار، والمرأة اخترعت الإشاعة والهمس، والرجل اكتشف الصداقة والحب، والمرأة اكتشفت الزواج، والرجل اخترع المال والمرأة اخترعت إنقاقه. لن أسأل من الأذكى، وإنما أكمل بأن الرجل اكتشف الزراعة واخترع الطعام والمرأة اخترعت «الريجيم». الأكل مهم في العلاقات الزوجية لأن الغرام بعمر شهر العسل، أما الطعام فحتى النهاية، نهاية الزواج، أو نهاية الزوجين. كل الطهاة الذين يحملون ثلاثة نجوم في دليل ميشلان من الرجال، ولكن من يكتب الدليل؟ رجال مثلهم. المرأة تحاول أن تبقى رشيقة وقد لا تنجح إلا أنها تحاول، أما الرجل فمعرفته بالطعام (خصوصاً إذا كان عربياً) تقتصر على كبسة رز ولحم و«دايت بيبسي». ونحن في شهر الصوم الكريم وهناك رجال يسألون هل الغبار يفطر، وهم يأكلون أموال الناس. لماذا لا تجيد المرأة الطبخ؟ لأنها مهما حاولت فالزوج سيقول لها أن طبخ أمه، يا روح أمّه، أفضل. وربما كان فشلها في الطبخ أفضل من إتقانه لأنه يشجع الرجل على عدم الأكل فلا يسمن ليصبح برميلاً، وهو شكل انسيابي يساعده في مقاومة الهواء أثناء السواقة. في هذه الحال كل ما على الرجل هو أن يصلي قبل الطعام وبعده، وإذا رمى العشاء في حديقة البيت فالطيور ستجربه ثم تهاجر إلى الجنوب من دون إيذاء طرف. غير أنني أعود إلى العم سام وماريان، فهما الكمية المجهولة في المعادلة الزوجية، وأسأل هل كانت للعم زوجة تطهو له، وهل كان لماريان زوج «شيف ثلاثة نجوم»، أو أنه كان يأكل من الطعام السريع وأنها كانت تكتفي بتذويب الطعام الجاهز المجلد في مطبخ البيت. أرجح أن أسئلتي ستبقى بلا جواب مقنع. [email protected]