«شهدي الصوفي يستنكر ويدين عسكرة ساحات الاعتصام». هذا «ستايتوس» شهدي (18 سنة) في صفحته على موقع «فايسبوك» المرفق بصور يقول انه التقطها بنفسه وتظهر مجموعة شبان بزي عسكري يتلقون تدريبات عسكرية. يلفت شهدي، وهو أحد الشبان الناشطين في ساحة التغيير في صنعاء إلى مسألة تجنيد شبان داخل ساحات الاعتصام، وهي قضية وان كانت متداولة منذ شهور إلا أن بعض القيادات الشبابية في الساحة حاول التكتم عليها. ويشعر كثير من الشبان بالقلق إزاء شروع الفرقة الأولى المدرعة المنشقة عن الجيش، في تجنيد بعض شبان الساحة وتدريبهم، ويعتبرونه انحرافاً عن مسار الثورة وطابعها السلمي. وحذرت وزارة الدفاع مما أسمته التجنيد الوهمي الذي تقوم به الفرقة، مشيرة الى أن المنتسبين الى هذا النوع من التجنيد لن يحصلوا على أرقام عسكرية. وكان مختلف الاطراف، بمن فيهم الحرس الجمهوري الذي يقوده نجل الرئيس، والامن المركزي الذي يقوده نجل شقيق الرئيس، اضافة الى الفرقة الاولى، شرعوا في استقطاب كثير من الشباب بينهم اطفال لم يبلغوا سن ال 18. وفي حين يؤخذ على عملية التجنيد أنها قائمة على أساس الانتماء السياسي، تنتشر الرشى ووساطات شيوخ القبائل لإدخال بعض الشبان إلى المعسكرات التابعة للرئيس صالح، وهي رشى تقدم خصوصاً من قبل طالبي الانتساب إلى الحرس الجمهوري والامن المركزي. وكان هذا طبعاً قبل أن تتفاقم الأزمة وتصل الى ما وصلت اليه أخيراً. أما الآن، فإن الحشد يجري على قدم وساق ومن دون أي عقبات، حتى إنه بات معلوماً أنه وخلال الشهور الماضية جرى نقل اعداد كبيرة من ابناء القبائل الى معسكرات خصصت لهم في صنعاء، حتى بات مألوفاً مشاهدة بعض هؤلاء يتجولون بأسلحتهم في الشوارع القريبة من أماكن تجمعاتهم ومعظمهم يرتدي اللباس التقليدي. وكانت مختلف القوى السياسية عملت منذ النصف الثاني من القرن الماضي على ربط قطاعاتها الشبابية بنظام ذي طابع عسكري، فأنشأت الجماعات الاسلامية في الشمال المعاهد العلمية التي يخضع فيها الطلاب لتدريبات قتالية، إضافة الى المحاضرات السياسية، فيما أنشئ في الجنوب ما كان يعرف بمدرسة «النجمة الحمراء». كذلك مثلت جماعة الشباب المؤمن في صعدة والتي حملت شعار «الموت لأميركا واسرائيل» النظير الزيدي لهذا النوع من الاطر الشبابية الحزبية. وتقول مصادر في ساحة التغيير إن عملية التجنيد تتم وفقاً للتكتلات والائتلافات، اذ يتم اختيار المجندين بدعوى اشراكهم في لجان التنظيم، غير أن الامر يتعدى مسألة حفظ النظام في الساحة وإدراة شؤونها. ويخشى كثيرون أن تقضي عسكرة الساحة على الجوهر السلمي للحركة الاحتجاجية التي فجرها الشباب اليمني مطلع شباط (فبراير) الماضي محاكاة لما جرى في تونس ومصر. وثمة من يقول ان عملية التجنيد تتم وفقاً لأسس مذهبية ومناطقية، كاستبعاد الحوثيين وأبناء تهامة، وهو أمر لم يتسن التحقق من صحته. وصارت الفرقة شوكة في حلق الثورة السلمية، نظراً الى انحيازها لجماعة سياسية ممثلة بحزب الإصلاح الإسلامي، ناهيك بالاتهامات الموجهة لها داخلياً وخارجياً باحتضان جماعات تصنف ارهابية. وتسيطر الفرقة المدرعة التي يرتبط قائدها بعلاقة جيدة مع رجل الدين المتشدد المطلوب أميركياً الشيخ عبد المجيد الزنداني، على المربع الشمالي للعاصمة، فيما تسيطر القوات التي يقودها نجل الرئيس واقاربه على المربع الجنوبي. ويخشى البعض من أن يؤدي تصاعد النزعة العسكرية الى فرض خيارات العنف، ما يحقق مطلب نظام الرئيس صالح، الذي ما انفك يتهم احزاب المعارضة بالسيطرة وسرقة حلم الشباب بالتغيير. وكانت اللجنة الأمنية التي يرأسها وزير الداخلية دعت الأسبوع الماضي المعتصمين في ساحة التغيير الواقعة امام معسكر الفرقة الاولى مدرعة الى الرجوع إلى جادة الصواب والعودة إلى منازلهم، وطالبت المعتصمين بالاقتداء برفاقهم في بعض المحافظات «الذين عادوا وتركوا الساحات، ولم يتبق منهم سوى المطلوبين أمنياً»، وذلك في اشارة الى ساحة الحرية في تعز، التي تعطلت تماماً بعدما تحولت المدينة الى ساحة مواجهات مسلحة بين الجماعات القبلية المسلحة المؤيدة للثورة وبين القوات النظامية. ويرى البعض في تحذير اللجنة الأمنية مؤشراً الى احتمال نشوب مواجهة مسلحة بين الجيش والفرقة المدرعة، خصوصاً ان الايام الماضية شهدت اشتباكات محدودة. يأتي ذلك في وقت تشهد صنعاء حالة استنفار وتعزيزات غير مسبوقة تزامناً مع اعلان المعارضة تشكيل مجلس انتقالي جاءت تشكيلته شبه خالية من الشباب عامة والمستقلين خصوصاً، فبدت وجوه المجلس حزبية تقليدية بامتياز. والواضح أن الطابع السلمي للثورة الشبابية بدأ يخبو يوماً بعد يوم، حتى إن كان هناك من يقول بأن الفرقة صارت تحتمي بالمعتصمين اكثر مما تحميهم.