من الأقوال المأثورة التي نسمعها في حياتنا ونرددها في مناسباتها مقولة «من تعلم لغة قوم آمن مكرهم»، ومن الحكم والأمثال الصائبة النابعة من تجارب الحياة، التي تأتي على ذكرها أحياناً، قولنا «العلم في الصغر كالنقش على الحجر»، وهذا قليل من كثير لكنه يكفي دليلاً لا غبار عليه لتأكد أهمية تعليم اللغة الإنكليزية - العالمية الأولى - وضرورة اتقانها من طلابنا وطالباتنا في المدارس في وقت باكر، إذ خصوبة سرعة الفهم وحاجتهم إليها مستقبلاً. إن الدواء، وهو من الضرورة بمكان وفي جميع دول العالم، تكتب مواصفاته المفصلة وخصائصه الدقيقة باللغة الإنكليزية، وإذا التفتنا إلى وسائل حياتنا الحديثة الضرورية أو الثانوية، خصوصاً المستورد منها، نجد أنها مكتوبة باللغة الإنكليزية، وفي مقدمها بيانات السيارات، وجميع الآلات والأجهزة الحديثة، وقطع غيارها، وأول ما يصادفك منها البيانات في لوحة الأرقام التي تجدها أمامك وأنت تقود سيارتك، فما بالك بالسفر للعلاج والتعلم والسياحة في الخارج. ولو التفتنا لأي شعب من شعوب العالم، على سبيل المثال اليابان والهند والصين، لوجدنا شعوبها يتقنون وبجدارة اللغة الإنكليزية كتابةً وقراءةً ومخاطبةً، إضافة إلى لغاتهم القومية من دون أن يؤثر ذلك في أسلوب حياتهم، أو يحول دون تقدمهم، أو يخدش معتقداتهم الدينية، أو تتضرر منها لغاتهم الأصلية... ويكفي مثلاً على نجاح وصدقية فائدة تعلمها في وقت باكر أن بعض أبنائنا وبناتنا الذين تعلموا اللغة الإنكليزية في المرحلة الابتدائية بالمدارس الأهلية والخاصة، أنهم استمروا فيها من نجاح إلى نجاح، وساعد ذلك في انطلاقتهم وتفوقهم في المراحل التعليمية الأخرى من دون أن يؤثر ذلك على إتقانهم ونجاحهم الملموس في مواد اللغة العربية الأم، وذلك بخلاف، أو بالعكس من مستوى الطلبة الذين بدأوا في تعلمها من المرحلة المتوسطة، إذ زاحمتها المقررات المكررة والمناهج الصعبة في العلوم الأخرى، وفي الوقت نفسه لم نجد أي أثر يذكر يوحي بتفوقهم باللغة العربية، وهذا يثبت أن التبكير في تعلم كل شيء أفضل وأنجح من التأخير. وأذكر بالمناسبة أنه كان لي جار مقيم من جنوب آسيا، يعمل طبيباً بالمملكة منذ 20 عاماً، يتقن لغته المحلية ومعها اللغة الانكليزية، وكان حريصاً بحكم عقيدته الإسلامية على تعلم اللغة العربية، وهو الآن بالكاد بعد تلك المدة الطويلة يتحدث بها بصعوبة وبلكنة أعجمية، وعندما سألته عن سبب ذلك قال إنه تعلم اللغة الإنكليزية بجانب لغة بلده، وهو في بواكير تلقيه العلم ففهمها وهضمها ولم ينسها لرسوخها في ذاكرته، أما اللغة العربية فلم يتحقق له تعلمها إلا بعد أن قَدِمَ إلى المملكة، وبعد أن مرت زهرة ونضارة العمر التي تكون فيها المدارك عادة مفعمة بالانفتاح وسرعة التلقي والفهم. وما ذكرته سلفاً، وما سوف أتطرق إليه وأتناوله لاحقاً، يظهر بالدليل الساطع والبرهان القاطع الناصع خواء وعقم واهتراء الحجج التي ساقها وأصر على ترديدها البعض من التأثير السلبي في تعليم اللغة الإنكليزية في المرحلة الابتدائية (الصف الرابع) على باقي المواد التعليمية الأخرى. ولو دققنا النظر بإنصاف وتجرد من العواطف والأهواء والتعليلات المثبطة لوجدنا بين ظهرانينا وأمامنا أمثلة حية تؤكد على أهمية تعلم هذه اللغة العالمية الحية وضرورة اتقانها، وهذا ما نلمسه من واقع العمالة الوافدة المتخصصة في الكثير من المهن، وتعمل في معظم مرافقنا الحيوية، فهي تتقن اللغة الإنكليزية بجدارة، وكلها جاءت من أقطار شتى، ولم تنس لغتها الأصلية، والسبب الملاحظ في اتقانها للإنكليزية أنها تعلمتها وفهمت مفرداتها ومخارجها في وقت باكر، واستفادت من ذلك مادياً، والدليل تهافتنا على التعاقد مع من يهضم هذه اللغة ويجيدها، للحاجة الماسة إليه وتقديمه على من يجهلها، ووصل الأمر بشركاتنا ومؤسساتنا وجميع مراكز الخدمة كالمستشفيات وحتى المكتبات التجارية إلى تفضيله على المواطن الذي يجد أمامه الشروط التعجيزية، وفي مقدمها التمكن من اللغة الإنكليزية تحدثاً وكتابة، الأمر الذي يؤكد ويدعو إلى ضرورة تعلمها وإتقانها كبقية شعوب العالم، وبحسب متطلبات العصر، الذي يأتي كل يوم بجديد ومفيد من منابع الإبداع والاختراع، خصوصاً في حقبة ثورة المعلومات وتطور الاتصالات التي جعلت من العالم قرية واحدة، بل حارة واحدة. إن ما يسبب الدهشة والاستغراب والمرارة في نفوسنا، ويجعلنا نشكك في صدقية ما يكتبه بعض المعارضين لتدريس اللغة الإنكليزية، اعتباراً من السنة الرابعة ابتدائي للعام الجديد، أن هؤلاء البعض لهم إسهامات استثمارية ملاحظة في مدارس أهلية تجارية قائمة ومشهورة، تقوم هذه المدارس منذ تأسيسها قبل سنوات عدة بتدريس اللغة الإنكليزية لطلبتها من الصف التمهيدي والسنة أولى ابتدائي وما بعدها، فإذا كان ليس لتدريسها من جدوى في المراحل الأولية، أو يكون لتعليمها تأثير سلبي في تحصيلهم الدراسي، فلماذا إذن يحرصون على تطبيقها في مدارسهم، ويعتبرون تعليمها مصدر تميز وترغيب؟ أم أنهم في حقيقة الأمر يريدون احتكار تدريسها في مدارسهم فقط، التي يقوم العمود الفقري فيها على التعاقد من الخارج، بما في ذلك من يقوم بتدريس اللغة الإنكليزية. نحن نتساءل هل غاب عن مخيلتهم أن ليس كل الطلاب وأولياء أمورهم عندهم القدرة على دفع عشرات الآلاف من الريالات كأقساط سنوية من أجل الالتحاق بمدارسهم المخملية؟ فهل يرعوي هؤلاء الأخوة ويتركون الشوشرة والإثارة، ويدعون القافلة تسير، ويحبون لغيرهم ما يحبونه لأنفسهم ولمدارسهم، وهو ما يحقق بالتالي المصلحة التعليمية المنشودة في هذا العهد الميمون الزاهر. أشكر وأقدر جهود وزارة التربية والتعليم، ممثلة في همة وشهامة وزيرها الجليل ونائبه ورجال وزارته المخلصين في هذه الالتفاتة التربوية الحيوية التي تصب في مصلحة أجيالنا النضرة وحاجتهم الماسة إلى التأسس الباكر في تعلم هذه اللغة العالمية الحية. مدير تعليم متقاعد bo.bassam@windows live.com