انصرفت الدولة اللبنانية، خصوصاً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري العدل شكيب قرطباوي والداخلية والبلديات مروان شربل والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا أمس، الى إجراء الاتصالات اللازمة للتأكد من صحة ما نقلته مجلة «تايم» الأميركية عن أحد المتهمين الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، وفيه تأكيده أن السلطات اللبنانية تعرف أين يعيش «ولو أرادوا اعتقالي لفعلوا ذلك منذ زمن طويل، ولكن ببساطة لا يستطيعون»، باعتبار أن ما نسب الى المتهم الذي لم يذكر اسمه يشكل إزعاجاً للدولة على المستويات كافة، الى حد الإحراج الشديد أمام المحكمة الدولية وصولاً الى التشكيك بصدقيتها. وعلمت «الحياة» أن ما نقلته «تايم» عن أحد المتهمين الأربعة كان موضع اهتمام من قبل رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي في اجتماعهما أمس في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، وأن ميقاتي ظل على تواصل مع أحد أبرز المسؤولين في «حزب الله» لجلاء حقيقة الأمر، لما يترتب على كلام المتهم من انزعاج للحكومة أمام المحكمة الدولية في ضوء ما تضمنه البيان الأخير الصادر عن رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنطونيو كاسيزي، وفيه أنه رأى أن الجهود التي بذلتها السلطات اللبنانية لتوقيف المتهمين جهود معقولة، وأنه دعاها في الوقت ذاته الى تكثيف جهودها لاعتقالهم، وأن على النائب العام التمييزي (ميرزا) أن يقدم تقريراً شهرياً الى المحكمة في هذا الشأن. وأكدت مصادر وزارية أن كاسيزي استند في كلامه عن الجهود التي بذلتها السلطات اللبنانية لتوقيف المتهمين، الى ما تسلمه من الأخيرة في هذا الخصوص، وفيه أنها قامت بالتحريات اللازمة بغية تقصي المعلومات عن أماكن تواجد المتهمين لإبلاغهم بقرار توقيفهم، وأن عملية التقصي لم تقتصر على منطقة دون الأخرى، في إشارة الى أنها شملت الضاحية الجنوبية لبيروت. وأشارت المصادر الى أن قيادة «حزب الله» وعدت بإصدار توضيح تنفي ما ورد في مجلة «تايم»، وهذا ما قامت به لاحقاً. وجاء في البيان الذي أصدره «حزب الله»: «ادعى مراسل مجلة «تايم» الأميركية أنه اجتمع مع مصدر مسؤول من «حزب الله» ثم وجد نفسه وجهاً لوجه مع أحد المتهمين الأربعة في قضية الحريري فأجرى مقابلة معه». وأضاف «حزب الله» في بيانه: «لم يجتمع أي مسؤول من حزب الله مع مراسل مجلة «تايم» لا منفرداً ولا مع أحدٍ آخر، وبالتالي فالخبر المذكور عار من الصحة تماماً، والمقابلة المدعاة لا وجود لها. ويبدو أن القصة من فبركات المحكمة الخاصة بلبنان التي عودتنا على الروايات البوليسية الكاذبة والمختلقة إعداداً وحواراً وترويجاً». لكن نفي «حزب الله» لم يوقف ردود الفعل على ما نقلته «تايم» عن ما وصفته بأحد المتهمين، وهو جاء بعد الموقف الذي صدر عن زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وسأل فيه: «هل سمع الرئيس ميشال سليمان بالمقابلة التي نشرتها مجلة «تايم» مع أحد المتهمين المطلوبين للعدالة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ وهل يريد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومعه بقية الفريق الوزاري المسؤول مبدئياً عن التزامات لبنان تجاه المحكمة الدولية، أن يسمع بتلك المقابلة والإعلان الذي جاء على لسان المتهم بعجز السلطة اللبنانية عن توقيفه وامتناعها عن توقيفه على رغم معرفتها بمكان إقامته؟». وأضاف الحريري: «سياسة صم الآذان ودفن الرؤوس في الرمال تجاه كل ما يتصل بحزب الله وسطوته على القرار الحكومي وعلى هيبة الحكم في لبنان هي السائدة، وليس في مقدور أحد من أهل الحكم أن يخالف رأي وتوجهات وإرادة المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية»، معتبراً أن «الدولة بمؤسساتها وأجهزتها مجرد أدوات وظيفتها الأساسية حماية حزب الله الذي يريد الدولة غطاء لوجوده الأمني والعسكري والسياسي، وهناك في الدولة والحكومة من يوفر له هذا الغطاء»، ومؤكداً أن «سياسة توزيع الأدوار بين الحكومة وحزب الله مرفوضة، والتاريخ سيلعن كل المشاركين في بيع دماء الشهداء لقاء حفنة من مواقع السلطة». وفي ضوء كل ذلك، عاد السجال الداخلي حول المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي الى ذروته، وهو مرشح للبقاء مادة أساسية لهذا السجال حتى إشعار آخر. على صعيد آخر، لم تستبعد المصادر الوزارية احتمال أن يتمكن مجلس الوزراء في جلسته بعد غد الثلثاء برئاسة الرئيس سليمان في المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية في قصر بيت الدين، من إنجاز مشروع القانون الرامي الى زيادة تغذية التيار الكهربائي ب700 ميغاواط بكلفة بليون و200 مليون دولار في حال انتهى الاجتماع الوزاري الذي دعا إليه الرئيس ميقاتي غداً الى توافق على الخطوط العريضة للمشروع من خلال وضع ضوابط مالية وإدارية لسير العمل في تنفيذه. كما لم تستبعد في هذه الحال إحالته فوراً على الجلسة التشريعية للبرلمان التي تعقد الأربعاء المقبل لمناقشته والتصديق عليه، علماً أن المصادر نفسها تحدثت أمس، عن أن فرصة التوافق بين الوزراء قائمة على أساس تفادي الثغرات الموجودة في اقتراح القانون الذي قدمه رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وأُسقط في جلسة سابقة للمجلس النيابي، وتقرر أن يستعاض عنه بإعداد مشروع قانون من الحكومة. أما في شأن التعيينات الإدارية، فأكدت المصادر الوزارية أن التعيينات التي ستصدر عن جلسة مجلس الوزراء ستقتصر على تعيين أحمد دياب مديراً عاماً للتعليم المهني والتقني، ومحمد الخطيب مديراً عاماً للشؤون الإدارية والمالية في رئاسة الجمهورية.