بحثاً عن ولد ثان «يكون عوناً لأخيه الأول»، وجد أحمد نزال نفسه «متورطاً» بأسرة من خمسة أفراد بعدما أنجب أربع بنات، في وقت يعاني من ظروف اقتصادية خانقه، بسبب دخله الذي يعتمد على وظيفة حكومية براتب ضعيف. أحمد العماني المولد والسكن يؤكد أنه لم يتنبه للجانب المادي في بحثه عن الولد، بخاصة أنه وزوجته لم يباعدا بين حمل وآخر، ما جعله لا يشعر بتكاليف أولاده إلا بعد أن دخلوا المدارس الخاصة الباهظة الأقساط. فهو -كما يقول- لا يستطيع أن يسجل أطفاله في المدارس الحكومية التي لم يعد يدرس بها، بخاصة في العاصمة عمان، بحسب رأيه، «غير الطبقة المسحوقة، لما تحويه من مظاهر تعاطي طلبتها الكحول والمخدرات، إضافة إلى العنف من قبل طلبة منحرفين». ويؤكد أنه يشعر في كثير من الأحيان بشيء من الخجل لأن لديه خمسة أطفال، لاسيما أن غالبية زملائه لم ينجبوا أكثر من ثلاثة أطفال، وكثيراً ما يسمع شكواهم من عدم قدرتهم على الإنفاق عليهم. نائل القيسي يؤكد أنه وخطيبته يأملان بأن يرزقهما الله بطفلين لتعليمهما في أفضل مدارس عمان، ويتمنيانهما ولداً وبنتاً. ويؤكد نائل أنه اتفق مع خطيبته على عدم إنجاب أكثر من طفلين حتى لو كانا بنتين، بسبب الأوضاع الاقتصادية وتكاليف الحياة التي لم تعد كما كانت في السابق، إضافة إلى أن «البرستيج الاجتماعي» أصبح لا يسمح بأكثر من ذلك، لأن عدد الأطفال المرتفع يعني تلقائياً أن المستوى الاجتماعي «متدن». ويؤكد الخبير الاجتماعي إسماعيل عبدالله أن تغيرات اجتماعية واقتصادية ساهمت في حدوث تحولات مهمة في الأنماط التقليدية المرتفعة للإنجاب في المملكة، منها تراجع ظاهرة الزواج المبكر عما كانت عليه في الماضي، وزيادة نسبة مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي. ويلفت إلى الانتشار الواسع لاستخدام وسائل تنظيم الأسرة، مبيناً أن نتائج مسوح السكان والصحة الأسرية أشارت إلى الارتفاع الملموس في نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة من قبل السيدات المتزوجات. وتبين سلسلة مسوح السكان والصحة الأسرية وفقاً لتقرير صدر عن دائرة الإحصاءات العامة أخيراً، انخفاضاً جوهرياً في معدل الإنجاب الكلي في المملكة، إذ بلغ خلال العام 2012 ما يعادل 3.5 مقابل 7.4 للعام 1976. ويوضح التقرير أن الانخفاض الذي شهده معدل الإنجاب الكلي في المملكة ساهم في انخفاض معدل النمو السكاني الذي سجل 4.7 في المئة عام 1979 و2.2 في المئة عام 2012، كما ساهم في انخفاض مماثل في متوسط حجم الأسرة، الذي سجل 6.2 في العام 1979 و4.5 في العام 2012. وكان رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي جواد العناني، أكد في تصريح صحافي سابق أن انخفاض معدل السكان في دولة مثل الأردن يتيح إمكان تحقيق معدلات نمو سنوية في الاقتصاد قادرة على أن تفوق الزيادة في معدل السكان، مبيناً أن ذلك يعني زيادة مرشحة في معدل دخل الفرد سنوياً وتحسن الوضع الاقتصادي للأسر وللمجتمع كلاً. ويقول إن انخفاض معدل الإنجاب الكلي ومعدل النمو السكاني يؤدي إلى انخفاض في نسبة السكان الذين هم دون سن العمل وتقل أعمارهم عن 16 عاماً، وهم الأفراد المعالون، وإن الحاجة للمدارس والمستشفيات ورياض الأطفال تقل، وهذا من شأنه تخفيف أعباء على الاقتصاد الوطني وتقليل حجم العبء المادي على الأسر. ويشير إلى أنه بحلول عام 2029، وبحسب التقديرات، فإن الأردن سيصل إلى الحد الأقصى الذي يكون فيه عمر السكان في سن العمل، وهو ما يسمى «الفرصة السكانية». ويقول إن المجتمع الأردني حالياً هو مجتمع شاب وفتي، وإن المتوسط الحسابي لعمر الفرد في هذا المجتمع هو 23 عاماً، موضحاً أنه يعتبر أقل من المتوسط الحسابي لعمر الفرد في المجتمعات الأوروبية، وإن لذلك انعكاسات عدة. مساعدة الأمين العام للشؤون الفنية في المجلس الأعلى للسكان رانيا العبادي تقول إن الهدف الإستراتيجي للمجلس هو الوصول إلى ثلاثة أطفال لكل امرأة في سن الإنجاب في العام 2017، والى 2.1 لكل امرأة في العام 2030، موضحة أن «المؤشرات توحي أننا في الطريق الصحيح ونسير وفقاً لما هو مخطط له». وتشير إلى أن الاستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية/ تنظيم الأسرة للأعوام الخمسة المقبلة، تم إعدادها بجهود وطنية مشتركة لتبنى على الدروس المستفادة وتحافظ على المكتسبات والإنجازات التي تم تحقيقها من خلال خطة العمل الوطنية للصحة الإنجابية في مرحلتيها الأولى والثانية . وتبين أن الظروف الاقتصادية ساهمت أيضاً في تغيير سلوك العديد من العائلات نحو الإنجاب، فتحسن الخدمات المقدمة من خلال مراكز الأمومة والطفولة التابعة لوزارة الصحة، سواء في المراكز الصحية الشاملة أو الأولية والمنتشرة في مختلف محافظات المملكة والخدمات الطبية الملكية والجمعية الأردنية لتنظيم الأسرة وعيادات القطاع الخاص ساهم في تدعيم تنظيم الأسرة من حيث الانتشار وكفاءة الخدمات. في المقابل، تحذر «جمعية العفاف الخيرية» في دراسة لها من تراجع معدل النمو السكاني، مشيرة إلى تناقص عدد سكان الأردن بنحو ربع مليون نسمة بحلول عام 2030. وأظهرت دراسة حول مؤشرات الزواج والطلاق في الأردن لسنة 2009 تراجع معدل الزيادة الطبيعية للسكان في الأردن من 4 في المئة سنة 1979 إلى 2.1 في المئة سنة 2009.