كنت في جدة للمشاركة في اجتماع لمجلس إدارة مؤسسة الفكر العربي، واتصلت بالصديق الشيخ محمد بن مبارك نائب رئيس وزراء البحرين، لأسجل «سبقاً صحافياً» بتهنئته بعيد الفطر المبارك، ولأسأله عن آخر تطورات الحوار الوطني، وسمعت منه ما جعلني أقرر زيارة البحرين، فجدة أقرب اليها جغرافياً وسياسياً من لندن. رمضان كريم، وكان حظي من كرمه جلسة طويلة مع الملك حمد بن عيسى في الصافرية وحديثاً ليس للنشر، الا أنني أستطيع تسجيل بعض العناوين. سألت الملك متى تنفَّذ تفاهمات الحوار الوطني، وهو قال إنها قيد التنفيذ، الا أنني فهمت منه ان هناك مراسيم وتعديلات دستورية، والأولى يمكن البدء بها فوراً، الا أنه يفضل أن تنتظر التعديلات الى ما بعد انتهاء الانتخابات التكميلية الشهر المقبل، ليوافق عليها البرلمان. والملك كان مرتاحاً لانفراج الوضع في البلاد، ولمستوى الدعم والتأييد للبحرين من دول مجلس التعاون الأخرى بعد أحداث شباط (فبراير) وآذار (مارس) الماضيين. وفي حين أعرف أن التنسيق السياسي دائم ووثيق مع المملكة العربية السعودية ومع الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحديداً، فقد وجدت تقديراً خاصاً لمواقف الكويت والإمارات العربية المتحدة، وكان الملك مرتاحاً أنه والشيخ حمد بن خليفة تشاورا قبل زيارة أمير قطر ايران. قضيت يومين في المنامة، ورأيت مسؤولين وأصدقاء من رجال مصارف وأعمال وغيرهم، وكان هناك شعور غالب بتحسن الوضع رغم بقاء بعض ذيوله. وفي حين أنني أجد ايران وراء عناصر الشغب والتطرف في البحرين، فإن المسؤولين جميعاً الذين قابلت اختاروا ان يركزوا على رغبتهم في علاقات صداقة وجوار مع ايران ولكن «من بعيد لبعيد». كانت لي جلستان مع الشيخ محمد بن مبارك، وهو شرح لي ما أنجز المشاركون في الحوار الوطني وكيف ستنفذ مرئيات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وجلست بعد ذلك مع الشيخ خالد بن أحمد، وزير الخارجية، لاستكمال المعلومات عن الحوار الداخلي والسياسة الخارجية. ووجدته غير مرتاح لبعض التصرفات الديبلوماسية الايرانية، إلا انه قال إن الحلول ممكنة. في البحرين لا توجد وزارة إعلام، ولكن الشيخ فواز بن محمد آل خليفة يرأس هيئة شؤون الإعلام، وسألته عن الحوار الداخلي فبدا واثقاً من انه يسير في الطريق الصحيح، وأن نتائجه ستكون أكثر وضوحاً بعد الانتخابات التكميلية. وأكملت الحوار مع الصديق العزيز الشيخ عبدالعزيز بن مبارك، ثم مع الأخ محمد المطوع على إفطار مع العائلة في منزله. ودعاني الاخوان من هيئة شؤون الإعلام الى حفل رمضاني في اليوم التالي، فكانت فرصة لخوض نقاش جديد. جماعة الوفاق أعلنت انها ستقاطع الانتخابات بعد أن كانت انسحبت من الحوار الوطني، إلا أن كثيرين شاركوا في الحوار، وهناك من يستعد لاحتلال المقاعد في مجلس الأمة التي شغرت بانسحاب نواب الوفاق الثمانية عشر. أعتقد ان الحكومة والمعارضة في البحرين ستفيدان البلد اذا عملتا على مكافحة التطرف المتبادل، والتقريب بين أبناء الوطن. وقد لاحظت ان رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان، وولي العهد الأمير سلمان بن حمد، يزوران كل ليلة مجالس الأسر البحرينية في تقليد رمضاني قديم. الأوضاع السياسية هذا الشهر أفضل كثيراً منها عندما زرت البحرين بعد 14 شباط الماضي والأحداث التالية، ولم أسمع هذه المرة هتافات بسقوط النظام أو رحيل رئيس الوزراء، وهو ما لن يحدث، فالنظام لن يسقط، ورئيس الوزراء حتى لو كان يريد الاستقالة لن يستقيل ليبدو كأنه خضع لطلب أقلية متطرفة ولاؤها خارجي. أعرف رئيس الوزراء منذ عقود، وأذكر انه وقف في وجه الشاه سنة 1970 و1971 عندما نالت البحرين الاستقلال، وبنى بنية تحتية قوية فانتقلت البنوك والشركات الى البحرين من لبنان بعد اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975، وعندما هبط سعر برميل النفط الى 11 دولاراً في أوائل الثمانينات، بقي اقتصاد البحرين متماسكاً، فلم تتأخر الحكومة عن دفع المرتبات شهراً بعد شهر، مع ان غيرها فعل، وهذا مع العلم ان البحرين هي السادسة بين دول مجلس التعاون الست في انتاج البترول، وهو مجرد 200 ألف برميل في اليوم، أو خُمْس إنتاج عُمان، الدولة الخامسة، وانتاجها اليومي مليون برميل. البحرين أنجزت الكثير رغم شح الموارد الطبيعية، بفضل حكومتها وشعبها، فالوحدة الوطنية هي الأساس. [email protected]