رداً على الموضوع المنشور في «الحياة»، العدد «17652»، بتاريخ «3 رمضان 1432ه»، (3 آب/ أغسطس 2011)، تحت عنوان («الددو» يكسر «تمثيل الصحابة» كافة... ويتجاوز القرضاوي والعودة!).15/10/2008 . يُطلق في أدبيات السياسة الشرعية على الصحابة، «رضي الله عنهم»، أنهم أتباع سيد الرسل «صلى الله عليه وسلم»، اختارهم الله تبارك وتعالى لصحبة نبيه ونشر تعاليم وتوجهات الإسلام، والذود عن حياضه، وشهد رسول الله لهم بالخيرية، وأن الزج بهم في تمثيليات ومسلسلات تُظهر صورهم تمثيلاً، كما هو اتجاه بعض القنوات، يُعد أمراً خطراً ومنقصة في حقهم والمحافظة على مكانتهم وشخصيتهم، الأمر الذي يتطلب وقوف العلماء والفقهاء لتحريم هذا الصنيع التجاري، وغرس الفتنة وإحياء مكامن الخلافات الطائفية، والمحصلة عدم جني فوائد إلا إثارة اللغط وإحياء النعرات. إنني استغرب من الشيخ الموريتاني «محمد الحسن الددو» في إباحة تمثيلهم، وأن إجاباته في هذه المسألة فيها نوع من التردد والديبلوماسية، التي لم تكن في يوم من الأيام منهجية فقيه من فقهاء المسلمين، وأن اقتحامه دليل قسري في جواز وإباحة التمثيل في قصة نبي الله سليمان مع الجن، حين دخلوا عليه في يوم عبادته، وليس يوم قضائه الذي ينظر فيه نزاعات الخصوم، كما في كتاب «نظام القضاء وطرق الإثبات والمرافعات الشرعية». إن هذا الاستشهاد في غير موضوعه، فالقصة جاءت على سبيل طرح النظر في قضايا الخصوم، وهل يجوز القضاء في المسجد، أو في محراب العبادة، ولا يشتم منها دليل على إباحة التمثيل، إلا اللهم إقحام الخطاب القرآني وتجاوز الخطوط الرئيسة التي أبانها ما انعقد عليه الرأي الفقهي من علماء المسلمين في مجمع الفقه الإسلامي في الرد على القول بأن تمثيل الأنبياء والصحابة فيه مصلحة وإظهار لمكارم الأخلاق وخدمة الدعوة فإنها مصلحة لا تعتبر بل تعارضها مفسدة أعظم منها وأخطر. من المعلوم من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أن المصلحة المتوهمة لا تعتبر، ومن القواعد أن المصلحة إذا عارضتها مفسدة مساوية لها لا تعتبر، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكيف إذا كانت المفسدة أعظم من المصلحة؟ وأرجح كما هي الحال في تمثيل الصحابة «رضي الله عنهم» فنقول للشيخ الموريتاني «الددو» كفى العالم الإسلامي والمسلمين خلافات وانشقاقات، فلا يُزج اجتهاد الصحابة ويُتخذ ذرائع للفتن الطائفية والنعرات الجاهلية، فمهمة أهل العلم الموازنة وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، ومن الذي يضمن سلامة التجاوزات والأخطاء والتطاول على مقام الصحابة الأجلاء «رضي الله عنهم»، فلا حول ولا قوة إلا بالله. أستاذ نظم الحكم والقضاء والمرافعات الشرعية بجامعة الملك عبدالعزيز