«الحركة الدستورية» هي، في آن، مرحلة من اليأس وبداية الأمل. فهي أفرزت نتائج سلبية وإيجابية، ووضعت حداً لاحتكار شخص الحكم وتحكمه بمصير المجتمع لتبدأ مرحلة جديدة يقودها ممثلو ونواب المجتمع في إطار مجلس الشوري الوطني لتقرير مصير ومستقبل هذا المجتمع. وعلي رغم أن «الحركة الدستورية» مهّدت لحكم ديكتاتورية رضا خان الذي صادر الحركة هذه وثمارها، إلّا أنّها زرعت بذور المشاركة الشعبية في أذهان ومشاعر المواطنين الإيرانيين. وأوصلت الحركة هذه الشيخ فضل الله نوري إلى منصة الإعدام. لكنها ساهمت في وضع اللبنة الأولي للثورة الإسلامية التي ولدت من رحم المصالح الاستعمارية والاستبداد في إيران. وعلى رغم أن الحركة الدستورية أفضت إلي تنصيب أحمد شاه قاجار حاكماً علي إيران، لكنها أتاحت، ولو لمرحلة قصيرة، إشراف علماء الدين علي القوانين وعلي نظام الحكم للحؤول دون الانحراف عن الإسلام. فهي ومضة نور في ليل إيران الحالك الذي أدي إلي ظلام أشد عتمة. فهذا البلد أراد الخروج من التبعية للأجنبي والتحرّر من أهواء الشاه الفردية وسياسته، فانزلق إلى الفوضي، وخرج من حفرة ليقع في بئر. لكن ما يؤخذ على الحركة الدستورية هو ممارسة الديموقراطية علي الطراز الغربي من غير الاعتبار بالثقافة الإيرانية. لذا، أدت إلي انحسار دور علماء الدين وانتهت إلى إمساك العائلات النافذة الفاسدة بمقاليد السلطة. وانتهجت الأيدي الاستعمارية الخفية نهج «دفع الأكثر فساداً بالفاسد»، وأفلحت في استبدال الحكم القاجاري الفاسد بعسكري شرير بهلوي أعطي صورة مخالفة للفكر الفقهي الشيعي. وأخفقت الحركة الدستورية في 5 آب (أغسطس) 1906 في بلوغ أهدافها، وساهمت في زرع اليأس من الحركات الاجتماعية. لكنها أفضت إلى ثورة 11 شباط (فبراير) 1979 في إيران، على رغم أنها جلبت على البلد الاستبداد والاستعمار، من جهة. ونجحت، من جهة أخرى، في وضع اللبنات الأولي للديموقراطية التي جعلت الدين واجهة لها، وساهمت في نيل «الجمهورية الإسلامية» 98 في المئة من أصوات الإيرانيين. وحملت الحركة الدستورية والحوادث والتطورات والعبر المؤلمة النخب الدينية والسياسية والمتشددين من الأصوليين والإصلاحيين، على القلق من مغبة تكرار نتائجها (الحركة). والقلق هذا مردّه إلى رصدهم مساعي استبعاد علماء الدين ومحاولات تضليل المواطنين والابتعاد عن الأطر التقليدية في المجتمع. ألم يصادر أعداء إيران من طريق علماء الدين والجامعيين المحبوبين في أوساط الناس مواقع القرار ونقلوا الراية إلى يد أعوانهم؟ ألم يهتف البعض، هذه الأيام، من غير وازع أو ورع أو خوف ضد علماء الدين، واتهموهم بعدم الكفاءة بعد أن انتصرت الثورة علي يد قائد مرجع فريد من نوعه من علماء الدين؟ وندعو الجميع إلى الإحجام عن دعم من يرى أن مدرسة أهل البيت (ع) تقف حائلاً أمام مشروعه الاستكباري المتسلط، ومن لا يستطيع تغليب مصالح الأمة والوطن علي مصالحه الشخصية. ولم يبخل أعداء الأمة بتنفيذ مخططاتهم لمحاربة إيران، بدءاً بحرب الثمانية أعوام مروراً بتأليب الرأي العام العالمي على إيران وفق سياسة «فرق تسد»، والتغرير بمجموعة إيرانية، والسعي في فصل علماء الدين عن المواطنين، وصولاً إلى زرع بذور الشقاق في المجتمع وفي صفوف علماء الدين. وحري بنا ألا ننسي محاولات تخريب علاقة آية الله أبوالقاسم كاشاني بالدكتور محمد مصدق يوم سعى إلى تأميم النفط، من إجل إحكام القبضة مجدداً على مقاليد الأمور. والحق أن الأيدي التي ألحقت المأساة بالحركة الدستورية تسعى حالياً إلى استغلال الخلافات الداخلية، وتتوسل القيم التي تبدو ظاهرياً إسلامية لمواجهة علماء الدين ومحاربتهم. وهؤلاء يعلمون أكثر من غيرهم أن التاريخ أثبت أن علماء الدين هم حضن المواطنين الذين يشعرون بالظلم. * رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الايراني، عن موقع «هاشمي رفسنجاني» الايراني، 4/8/2011، اعداد محمد صالح صدقيان