يتواصل الاهتمام عربياً بالشعر الإيراني الحديث، وبعد الترجمات التي صدرت تباعاً في الآونة الأخيرة لمختارات من هذا الشعر، تخصص مجلة «الدراسات الأدبية» (من الثقافتين العربية والفارسية وتفاعلهما) عدداً كاملاً عن هذا الشعر وروّاده. والمجلة تصدر عن قسم اللغة الفارسية في الجامعة اللبنانية ويرأس تحريرها فكتور الكك. وقدم الكك العدد بمدخل أوضح فيه ان هذا العدد المتمحور حول الشعر الحديث والمعاصر في إيران. لا يمكنه أن يحيط بجميع جوانب هذا الموضوع الضخم الذي يغطي ما يقارب قرناً من الزمان. فمنذ العهد الدستوري المعروف في إيران باسم «مشروطيت» الذي انسحب على مدى الأعوام 1905-1911 بدأت تباشير التجديد الثقافي تسطع في سماء العهد القاجاريّ، وأقبل الناس خلال تلك الفترة الاستبدادية على الغرب ينهلون من معين حضارته، فتعرفوا الى أساليب شعرية جديدة والى أنواع أدبية مستحدثة، وإن تكن بذورها كامنة في تراثهم المتقادم الميلاد. وأخذوا بالأفكار والمذاهب السياسية النابعة من أنظمة الحكم الديموقراطية، لا سيما النظام الفرنسي المرتكز على الثورة الفرنسية التي اشتعلت نارها عام 1789. هذا كان شأن البلدان العربية، خلال تلك الفترة وما سبقها في موازاة ما حدث في إيران. لذلك نشهد تجانساً في الاقتباس بين الأمتين وفي التمثل والهضم والإبداع تجلى في نتاج الشعراء والكتّاب من أهل الأدب والفكر، وفي رواج الأفكار التحررية لدى المناضلين في ميدان السياسة، سعياً الى تأسيس أنظمة حكم ديموقراطية في شرق لم يعرف عبر تاريخه سوى الاستبداد. أما الدراسات المنشورة في العدد فتتناول نشوء الشعر الحديث وتطوره، وشعراء عرباً وإيرانيين أيضاً في مقارنات ذات دلالة. واستهل أيضاً العدد بدراسة للشاعر الراحل المجدد والأستاذ الجامعي ووزير الثقافة في إيران لحقبة من الزمان، برويز ناتل خانلري. فهو كان من شعراء التجديد الطليعيين في الفارسية. ودراسة خانلري ترسم معالم بدايات التجديد الشعري في إيران وضبابية مفهوم التجديد لدى بعض الشعراء ومدّعي الشعر التجديدي. أما الدراسات الأخرى التي يضمّها العدد فتتناول جوانب من التجديد المذكور، وتضيء مناحي من الشعر العربي الحديث المشابهة، إذ إن التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية في البلدين تشابهت وتماثلت في كثير من الأحيان. والعجيب أن الثقافتين ولّتا وجهيهما شطر الغرب، متناسيتين ما كان بينهما من تفاعل قديم خلال القرون الوسطى، ثم بين بعض البلدان العربية وإيران إبان العهد الصفوي، وهو تفاعل حالت دون استمراره السلطنة العثمانية التي عزلت تلك البلدان عن جارتها إيران. ومن محتويات العدد بالعربية: الشعر الفارسي الحديث، نشأته وخصائصه (برويز خانلَري)، الشعر الفارسي الجديد، الرفيع المستوى والرديء (بسام علي ربابعة)، تحولات قصيده وبيدايش شعر نو در أدبيات عربي وفارسي (دلال عباس)، بروين اعتصامي شاعرة النفحة الدينية (هويدا عزت محمد)، الأم في الشعر الفارسي الحديث والمعاصر (ندى حسون)، مدخل الى الشعر الفارسي المعاصر في مرحلة الثورة (فكتور الكك وموسى بيدج)، شعراء معاصرون من إيران: نماذج مترجمة. وضمّ العدد مقالات عديدة بالفارسية حول الشعر الفارسي المعاصر.