ما الذي يمكن أن يفعله النظام السوري بعد أن يعيد قراءة كلمة العاهل السعودي الملك عبدالله مرات عدة، وبعد تأمل ما جرى خلال حوار الساعات الثلاث الطوال بين وزير الخارجية التركي داود أوغلو والرئيس بشار الأسد وأعوانه؟ وما الذي يمكن أن يفعله العالم حيال النظام السوري بعد أن يتخذ الأخير القرار الخطأ وهذا هو المتوقع؟ رد الفعل الأول للنظام أنه سيمضي في حربه ضد العصابات المسلحة (المزعومة) من دون هوادة، ما يعني استمراره في حماقة الحل الأمني الذي حوّله إلى قوة احتلال ضد شعبه. ولكن هل يستطيع الاستمرار في ذلك؟ أتوقع أن المقياس الذي سترتب عليه السعودية وتركيا خطواتهما التالية مع العالم هو معدل عدد القتلى اليومي الذي بات يقارب الرقم 50 يومياً، وهو رقم مرتفع في العرف الدولي، ومتواضع في عرف نظام قمعي. المعضلة أن النظام لا يستطيع أن يستمر من غير قمع. العالم يطالبه بوقف العنف. الملك عبدالله قدم له توصيفاً دقيقاً، إذ سماه «آلة القتل»، وهو ما تؤكده تقارير من داخل سورية قدمت وصفاً لعنف ممنهج يتكرر حيثما حل الجيش و «شبيحة» النظام في ممارسة قبيحة تدربوا عليها تقوم على بث «الرعب» بين المواطنين، قوامها الإعدام علناً، الخطف والاغتصاب والترويع، مع الحرص أن يصل خبر ممارستهم لأهالي الحي أو القرية، للتحذير من عدم العودة للتظاهر والنشاط المعارض. وقف «آلة القتل» يعني السماح بالتظاهر السلمي، فالسوري الثائر الذي تخلص من الخوف، يعلم أن هذا هو سلاحه الوحيد، وفرصته التي لن تتكرر للانعتاق والحصول على حريته. فالتظاهر السلمي سيخلق «ميدان التحرير» في كل مدينة سورية. الكارثة للنظام أن ذلك سيؤدي إلى نقل التظاهر وميدان التحرير إلى قلب دمشق وحلب، ولو حصل ذلك لن يترك السوريون ميدانهم حتى إسقاط النظام، سيصرخ الشاميون حينها شيئاً شبيهاً بالعبارة المصرية الشهيرة «مشى حنمشي، هو حيمشي»، والمقصود هنا هو الرئيس بشار الأسد، وهو ما لن يحتمله. إنه ليس مبارك ودائرته الحاكمة التي مهما كبرت تظل دون دائرة الأسد الأوسع التي تتجاوز المنتفعين إلى شتى الأجهزة الأمنية، والطبقة الحاكمة المتداخلة مع الطائفة التي باتت جذورها عميقة بعدما انفردت 40 عاماً بالحكم المطلق. إنها معضلة للنظام وكذلك للمجتمع الدولي الذي يطالب النظام بالإصلاح. العاهل السعودي مرة أخرى يقدم توصيفاً محدداً له «إصلاحات لا تغلفها الوعود، بل يحققها الواقع، ليستشعرها إخواننا المواطنون في سورية في حياتهم... كرامة وعزة وكبرياء». مصادر تركية تقول إن أوغلو قدم وصفة محددة للإصلاح هي تحديد موعد لانتخابات حرة يختار فيها السوريون رئيسهم وبرلمانهم، فهل يستطيع النظام تقديم ذلك؟ هل بشار الأسد مستعد للتنافس في انتخابات لا يضمن الفوز بها؟ بالطبع لا. إذاً، لا مناص من «التدخل الخارجي»، ولكن كيف؟ ومتى؟ ومَنْ؟ وأين؟ العالم متجه نحو ذلك، والاتصالات الحثيثة التي نشطت حول دمشق بين الرياض وأنقرة والعواصم العالمية لا بد من أنها ستحاول الإجابة عن هذا السؤال الصعب، بعد أن تعلن العواصم المعنية أن دمشق لم تتجاوب مع الفرصة الأخيرة التي لوّح بها العاهل السعودي ورئيس الوزراء التركي الذي «بدأ صبره ينفد». سحب السفراء بدأ، الخطوة التالية قد تكون في إعلان التأييد العلني للمعارضة، والقول الصريح بضرورة رحيل النظام وبشكل علني، ثم تأتي الخطوات الأصعب في زمن صعب، فالدول العظمى منشغلة بتداعيات أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق، مثل فرض حصار على سورية، لمنع الإمدادات عن النظام، مراقبة الأجواء السورية لمنع الطائرات الإيرانية من السفر إلى دمشق محملة بالسلاح والعتاد وربما الأفراد. يتطور ذلك إلى منع الطيران تماماً من دمشق وإليها، يتواكب ذلك مع مراقبة للحدود السورية - العراقية، ومنع العراق من تصدير هباته النفطية المتمثلة في 300 ألف برميل يومياً للنظام. الولاياتالمتحدة لا تزال صاحبة اليد الطولى في العراق، وينبغي أن تكون قادرة على تنفيذ حظر كهذا. إذا لم يترنح النظام بعد كل ذلك، فإنه سيتأثر سلباً، وكذلك الاقتصاد السوري، ولكن ستشتعل أيضاً حماسة الشعب ويتشجع على الاستمرار في تظاهراته اليومية، وقد اطمأن إلى أن العالم وجيرانه العرب والأتراك باتوا مهتمين بأمره ومعاناته بعد أربعة أشهر رأى أن الصمت خلالها شجع النظام على المضي في غيّه. رد فعل النظام سيكون متوقعاً، فهو لا يجيد ولا يطمئن لغير «آلة القتل» التي يتقن استخدامها، ولكنها تغضب العالم. وقتها لا بد من آخر دواء، القوة والتدخل المباشر، وهذا يستلزم قراراً أممياً، والاتفاق على خطة وقواعد للتدخل في بلد تحوّل جيشه إلى قوة احتلال داخل المدن والأحياء والأرياف، فكيف تقصف طائرة ل «الناتو» لديها التفويض اللازم دبابةً داخل حي مكتظ بالسكان في حماة أو دير الزور؟ إنها أيام واختيارات صعبة تنتظر العالم وجيران سورية، ولكنها ستكون أصعب على سوري يريد الحرية. كاتب سعودي. [email protected]