لا يعرفه الناس كثيراً، لكنه صار أشهر مما كان عليه لاعباً في نادي خيخون، ليس لكونه حقق منجزاً كروياً خارقاً، ولا لكون الأضواء حرمته الخروج إلى الشوارع وزادت أسهمه في البورصات؛ فهو لاعب عادي، وأكثر من هذا مدافع (...)، ولكنه أفاق على ثورة أعلنها في خضم ما تشهده إسبانيا من أزمة اقتصادية حادة، فيما أسعار اللاعبين في اطراد، ومع اهتزاز عنيف في بورصات العالم بعد الذي شهدته أميركا من تجاذبات بسبب عدم الاتفاق على سعر سقف الديْن، وما يعيشه القرن الأفريقي من مجاعة قاتلة. خافي بوفيز لم يتجاوز الرابعة والعشرين، فجر قنبلة في الوسط الكروي والمالي والإعلامي في إسبانيا حين خرج إلى الرأي العام بتصريحات ندد فيها بتحويل كرة القدم إلى تجارة فاسدة، لا تهدف سوى إلى جمع المال، وتحويل اللاعبين إلى بضائع في أسواق استشرى فيها الفساد، وأعلن من جانب واحد فسخ عقده مع ناديه بقوله: «يكفي، يكفي، لن يتحول كل شيء إلى بيع وشراء». ويرى خافي بلغة حادة: «كلما عرفت الكرة ازددت اقتناعاً بأنها لا تهدف إلى شيء سوى المال، والكرة تعني الرأسمالية، والرأسمالية هي الموت». ورفض أن تصب أجرته في حسابه لتفادي المضاربة، ورفض سيارة من مؤسسة راعية للفريق بحجة أنه «ليس بحاجة إليها...». وذهب أبعد من هذا حين قال: «لا أريد أن أعيش كمومس مثل 99 في المئة من الأشخاص، ولا أريد أن أعيش في نظام يعتمد على الربحية والريع بينما يموت أشخاص آخرون في أميركا وأفريقيا وآسيا»، فيما راحت وسائل الإعلام تشبه موقف خافي بالفرنسي إريك كانتونا الذي كانت له خرجات إعلامية دعا فيها إلى إفراغ كل الحسابات في البنوك والمؤسسات المصرفية؛ لمنع الفساد (...). إن هذا التفكير في زمن انتقالات اللاعبين من أندية إلى أخرى يقاس بالبلايين؛ فلو بيعت أقدام الثلاث الأغلى في العالم ميسي ورونالدو ونيمار لقضي على المجاعة في الصومال، ولربما كان ذلك سبباً في تصالح الإخوة المتحاربين بسبب السلطة، ومخزون الذرة والقمح، ولتوقفت القرصنة البحرية. إن العام 2011 هو -في رأيي- عام «البيزنس» الكروي بامتياز؛ فاللاعبون ينتقلون بين الملاعب في صفقات خيالية، حتى ليخيل للمرء أن العالم لا يمر بأزمة، وأن دومينيك الذي كسب معركته المالية أمام الاتحاد الفرنسي هو أفضل حالاً من دومينيك ستراوس كان الذي أتعبته منظفة أفريقية في فندق أميركي (...) وحرمته كرسي فرنسا. وهذا يقودنا إلى انتعاش أسواق اللاعبين في ملاعب الخليج دون استثناء؛ إذ لم يعد يقصدها المحالون إلى المعاش، ولكن الذين لا تزال في أقدامهم بقية جهد وطاقة وإبداع، وربما هذا ما يبشر بروح جديدة في دوريات السعودية وقطر والإمارات؛ فهذا مارادونا في الوصل، وهؤلاء نجوم المغرب والجزائر في أقوى أندية الخليج، ولم نسمع واحداً منهم خرج في الناس شاهراً سيفه، ويقول: «ما بال الناس يجمعون المال ولا ينظرون إلى الذي يحدث في الصومال...». لقد همس في أذني مسؤول كبير في الكرة الجزائرية قائلاً: «إن عمر اللاعب لا ينتهي بعد اثنين وثلاثين عاماً في الوظيفة، ويتقاعد بعد الستين؛ إذ إن عمر اللاعب لا يتجاوز ثلث العمر الوظيفي؛ أي 12 عاماً في الاحتراف، ويتقاعد قبل سن الأربعين؛ لذا فإن مبرر جمعه المال لا يحتاج إلى فتوى من الأزهر أو الفاتيكان». ولا أعرف إن كانت عودة أرنستو تشي غيفارا إلى الملاعب منددة بالرأسمالية المتوحشة التي أحالت اللاعبين إلى عبيد تنفع من جديد؟! [email protected]