بعض الرياضيين لا يمكن لهم أن يعيشوا في جلابيب غيرهم، أو أنديتهم، منضبطين جدّاً، يفعلون ما يؤمرون به، ويصرحون بما يهمس لهم به في آذانهم. فهم مختلفون عن غيرهم، إذ أنّ لهم هامشهم الخاص بهم، ولهم طقوسهم التي لا يريدون أن يقاسمهم غيرهم فيها... انظروا تاريخ جورج بيست العربيد، ومحمد علي المتحدّي، ومارادونا المشاغب، وكانتونا المتباهي، وروماريو العنيد، وتايسون الشرس، ورونالدو المزواج، وتايغر الخائن، ومورينيو المتعالي... وبالوتيللي المتمرّد. بالوتيللي، هذا الأسمر الذي كسر قاعدة موسيليني، من أنّ إيطاليا للإيطاليين من دون غيرهم، ولا مكان للأجناس الأخرى في مواقع تمثيلها الوطني، فكان أوّل لاعب أسود البشرة يلعب بألوان «السكوادرا أزورا» فاتحاً بذلك تاريخاً جديداً في بلد عاش طويلاً على إيقاع اللون واللسان. وُلد ماريو في باليرمو، بعد شهر من نهاية مونديال إيطاليا 1990، من أبوين غانيين، تركاه يوم ولادته لتتبناه عائلة إيطالية، منحته اسماً إيطالياً خالصاً، ووفرت له حياة مختلفة، ولم يكد يصل الخامسة حتى تكشّف عن نبوغ في الكرة، فراح يتنقل بين فرق وأندية إيطاليا، إلى أن أصبح أصغر لاعب محترف في إيطاليا، وصاحب أعلى صفقة تحويل للاعب لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره. يعترف خبراء الكرة أنّ لهذا اللاعب مهارات خارقة، فهو يمتلك القدرة لصنع الفارق في أيّة مباراة، قوة بدنية وسرعة فائقة وإمكان اللعب في أي موقع متقدّم، غير أنّ له لساناً يسبقه أحياناً إلى إثارة متاعب هو في غنى عنها، إذ قد ينتقد خطة مدرّبه، وقد يرفض كرسيّ الاحتياط، وقد يثأر بلسانه من شخص ما. أوّل انتقام لماريو كان من والديه توماس وروز بارواه، وذلك برفضه اللعب لمنتخب غانا الذي تألّق في مونديال 2010، على رغم نداءات الشعب والساسة، إذ أنّه ردّ ببرودة «أنا إيطالي، ومشاعري إيطالية، ولن ألعب إلا لمنتخب إيطاليا» ففهم الناس أن بشرة ماريو لا تعني أنّ له ولاءً لبلد لا يعرف منه سوى أنّ أبويه تركاه للمجهول في أحد شوارع باليرمو، فتكفّلت به عائلة بيضاء وأعطته كلّ ما هو إيطالي. وثاني انتقام هو من الجمهور العنصري في إيطاليا الذي هتف ضدّه في أكثر من ملعب، فأعلن الرحيل نحو بلاد الضباب، إذ اقتنع أنّ هناك كثيراً من الشهرة وقليلاً من العنصريّة (...) ولكنّه لم يسلم من ملاحظات مدرّبه الإيطالي مانشيني، الذي بقدر إعجابه بمهارات ماريو فإنه يبدي انزعاجاً من تصرّفاته الغريبة، إذ أنّه لا يجد غرابة في أن يصحب معه جهاز الآيباد أثناء التدريبات، وتصفحه بين الفينة والأخرى (...) ولعلّ الضربة القاصمة لماريو هذه الأيام، في أجواء احتفاله بعيد بميلاده، تمثلت في استدعاء شرطة نابولي له لمعرفة علاقته بالمافيا المعروفة ب«لاكامورا»، إذ أنّ توقيف أحد قادتها، ماركو لوريو، وورود اسم بالوتيللي في محاضر استجوابه، مما أحدث صدمة لدى الرأي العام الرياضي في أوروبا، لكنّ ماريو قال في إفادته «أنا لا أعرف هذا الرجل، فقد كنت في جولة سياحية، لأنني من المولعين بزيارة الأحياء الشعبية العتيقة، وتحلّق حولي أشخاص كثيرون، لست مضطراً لأعرفهم، وربّما كان بينهم هؤلاء أتباع للمافيا...» فأخلي سبيل بالوتيللي، وتمّ قلبُ الصفحة من دون غلق الملفّ. ومن يدري، فربّما هي واحدة من المؤامرات التي استهدفت الطفل المدلّل في ملاعب إيطاليا وإنكلترا، كونه انتصر على العنصريّة التي حرمت كثيراً من الملوّنين من اللعب تحت شعار... فورزا إيطاليا. [email protected]