بنغازي - أ ف ب - كشفت الخطوة التي قام بها المجلس الوطني الانتقالي بإقالة مكتبه التنفيذي عن هشاشة الهيئة السياسية للثوار الليبيين التي هزها اغتيال قائدها العسكري اللواء عبد الفتاح يونس. وكان رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل أعلن مساء الاثنين في شكل مفاجئ إقالة كامل مكتبه التنفيذي. وحده محمود جبريل، الذي يترأس المكتب التنفيذي، احتفظ بمهامه وكلف بإعادة تشكيل فريقه المؤلف من أربعة عشر وزيراً. ومهمة المكتب التنفيذي، الخاضع لسلطة المجلس الوطني، إدارة الأراضي «المحررة» في شرق البلاد، ويعمل في الواقع كحكومة انتقالية في انتظار السيطرة على طرابلس وسقوط الزعيم الليبي معمر القذافي. وأفاد مصدر من داخل حركة الثوار أن هذا القرار اتخذ خلال النهار أثناء تصويت الأعضاء الأربعين في المجلس الانتقالي، الهيئة السياسية على رأس حركة التمرد. ودار النقاش خصوصاً حول مسألتين: إقالة المكتب التنفيذي، ولكن أيضاً تبديل أو إبقاء محمود جبريل في منصبه. وتقرر في نهاية المطاف أن يحتفظ الأخير بمهامه شرط أن يحضر في شكل منتظم الى بنغازي «عاصمة» المتمردين في شرق ليبيا. وفي الواقع يمضي جبريل، الذي يقوم بمهام رئيس الوزراء والمكلف أيضاً بالشؤون الدولية، القسم الأكبر من وقته في الخارج. وكان موجوداً الاثنين في قطر عند إعلان إقالة فريقه. وردد المجلس الانتقالي صدى الانتقادات المتكررة لبعض وزراء الثوار المتهمين بتكريس وقت أكثر من اللازم لأنشطتهم «الديبلوماسية» خارج البلاد بدلاً من البقاء في بنغازي للقيام بعملهم. وكان المرسوم الرسمي بقرار التجديد للمكتب التنفيذي لم يصدر بعد عند منتصف اليوم. كما لم ترد أي معلومات عن المهلة اللازمة لتشكيل مكتب تنفيذي جديد. واكتفى مصطفى عبد الجليل بالقول في هذا الصدد «إن أخطاء إدارية لوحظت مؤخراً» داخل المكتب التنفيذي، وتمنى أن توضح الحكومة المقبلة «مؤامرة» اغتيال القائد العسكري للمتمردين اللواء عبد الفتاح يونس في 28 تموز (يوليو). وقتل يونس الذي انضم الى الثوار بعد أن كان من أركان نظام القذافي، بعد استدعائه من الجبهة لاستجوابه في بنغازي. وأثار مقتله تكهنات كثيرة حول هوية القتلة والانقسامات داخل حركة المتمردين أو احتمال وجود «طابور خامس» وراء خطوط المتمردين. وبدأ المجلس الانتقالي تحقيقاً لا يزال جارياً حول اغتيال اللواء يونس الذي أثار أيضاً موجة من الانتقادات الى حركة الثوار التي وقع عدد من مسؤولي مكتبها التنفيذي الأمر باستدعائه من الجبهة. وتركزت الانتقادات على علي العيساوي المكلف الشؤون الخارجية داخل المكتب التنفيذي والذي وقع أمر الاعتقال أو وزير الدفاع جلال الدغيلي لعدم إلغائه زيارة الى مصر بعد أن علم باستدعاء القائد العسكري. وطالبت منظمات مشاركة في الانتفاضة بإقالة الوزراء الثلاثة. وما زالت هذه الصعوبات تطرح مزيداً من التساؤلات عن حركة المتمردين التي هي في تغير مستمر والتي تبقى دينامياتها العميقة مثل سيطرتها الحقيقية على الأرض غامضة في نظر العديد من المراقبين الأجانب. ويأتي ذاك في «وقت دقيق» كما يقر المسؤولون السياسيون في حركة التمرد فيما يراوح مقاتلوهم مكانهم على خطوط الجبهة في شرق البلاد. يذكر أن المجلس الانتقالي أنشئ رسمياً في 27 شباط (فبراير) في بنغازي في الأيام التي تلت الانتفاضة الشعبية ضد نظام القذافي. ومنذ بداية آذار (مارس) أراد أن يكون «لجنة لإدارة أزمة» يترأسها مصطفى عبد الجليل الذي كان وزيراً للعدل في نظام القذافي. ويضم المجلس الوطني الانتقالي رسمياً أربعين عضواً يعينون نظرياً بحسب خبرتهم وعلى أساس التوزيع الجغرافي. وأعلنت فقط الى اليوم أسماء 13 من أعضائه، خصوصاً من الحقوقيين والمحامين وأساتذة الجامعات، وذلك لأسباب أمنية. وفي أيار (مايو) شكل المجلس الانتقالي مكتباً تنفيذياً للعمل كحكومة. والمكتب التنفيذي مؤلف من 14 عضواً هم وزراء مكلفون الشؤون الدولية والداخلية والمال والنفط ووسائل الإعلام أو البيئة وغيرها. ومعظم هؤلاء الوزراء هم من التكنوقراط لكن بعضهم يعتبرون أكثر من الوجوه السياسية، غالباً من الإصلاحيين السابقين في النظام يأتون خصوصاً من مؤسسة سيف الإسلام. ونظرياً فإن المجلس الانتقالي ومكتبها التنفيذي كيانان متمايزان. لكن في الواقع وفي إطار الغموض العام الذي يحيط بحركة المتمردين، فان تقاسم المسؤوليات ليس واضحاً أيضاً. وتحتفظ بعض الشخصيات في المجلس الوطني الانتقالي بدور مهم في إدارة الشؤون اليومية في المدن «المحررة». إلا أن «كتائب» المقاتلين على خط الجبهة، الذين هم بغالبيتهم من المدنيين المتطوعين، تلعب دوراً مهيمناً في الانتفاضة، بعيداً عن المجلس الانتقالي ومكتبه التنفيذي والسياسيين المقيمين في بنغازي.