القاهرة - أ ف ب - بعد حكم مصر لثلاثة عقود من دون منازع، قبل أن يسقط في 11 شباط (فبراير) الماضي اثر انتفاضة شعبية، مثل الرئيس المصري حسني مبارك أمس أمام محكمة جنايات القاهرة على سرير طبي نقال غير انه بدا في كامل وعيه. كما مثل معه نجلاه علاء وجمال، اضافة إلى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من معاونيه لمواجهة اتهامات ب «القتل العمد» و»الفساد». إلا أن الرئيس السابق نفى هذه الاتهامات وقال «انكر كل الاتهامات تماماً» وكذلك فعل نجلاه. وظهرت شكوك وتكهنات كثيرة في الأيام الأخيرة حول إمكان مثول مبارك فعلاً أمام المحكمة بذريعة وضعه الصحي. وكانت وكالة أنباء الشرق الأوسط نقلت السبت عن مصدر طبي مسؤول في مستشفى شرم الشيخ أن مبارك يعاني من «اكتئاب حاد» أدى إلى امتناعه عن تناول الطعام غير أن حاله الصحية «مستقرة نسبياً». وتم انتزاع صور مبارك من مكاتب المؤسسات الحكومية الرسمية، وينتشر اليوم في ميدان التحرير باعة يعرضون صوراً كاريكاتورية للرئيس السابق. وأمس كانت المرة الأولى التي يظهر فيها مبارك (83 سنة) علناً منذ أطاحته وتوجهه إلى شرم الشيخ على البحر الأحمر ونقله بعد ذلك إلى مستشفى هذه المدينة وإيداعه الحبس الاحتياطي فيه في نيسان (أبريل). ويواجه مبارك الذي حكم اكبر دولة عربية في عدد السكان، اتهامات بالفساد و»القتل العمد» وهي جريمة، إن ثبتت، تصل عقوبتها إلى الإعدام. وعند اغتيال الرئيس السابق أنور السادات على يد إسلاميين في 1981 فتح الباب أمام مبارك، الذي كان قائداً للقوات الجوية ثم اصبح نائباً للرئيس، كي يترأس البلاد في وقت لم يكن احد يتوقع مستقبلاً كبيراً لهذا الرجل الذي يفتقد إلى الكاريزما. عرف عن مبارك انه رجل براغماتي، غير انه فقد شيئاً فشيئاً صلته بالشعب، وأصبح عنيداً ومتكبراً. فقد اعتمد على جهاز امني مخيف وحزب يأتمر بأوامره ليحكم البلاد بشكل فردي طوال ثلاثين عاماً. وكان التزامه، على رغم كل الأنواء والاحتجاجات، بمعاهدة السلام التي ابرمها سلفه مع إسرائيل عام 1979 وحرصه على أن يظل ضمن ما عرف ب «معسكر الاعتدال» في العالم العربي سببين رئيسيين لتأييد الغرب لنظامه، وخصوصاً الولاياتالمتحدة التي ظل حليفاً لها على الدوام. وظل مبارك بشعره الداكن على الدوام على رغم مرور الزمن وبنظرته التي يخفيها في غالب الأحيان خلف نظارات سوداء، وجهاً مألوفاً في الاجتماعات الدولية على مدى سنين حكمه. وعلى رغم تصديه بقوة للجماعات الإسلامية المتطرفة، لم يتمكن مبارك من وقف تصاعد الإسلام الأصولي الذي تجسده جماعة «الإخوان المسلمين»، وهي تعد اليوم اكثر الحركات السياسية تنظيماً على الساحة السياسية. ولد حسني مبارك في الرابع من أيار (مايو) 1928 في عائلة من الطبقة الريفية المتوسطة في دلتا مصر. وصعد سلم الرتب العسكرية في الجيش إلى أن اصبح قائداً للقوات الجوية ثم نائباً للرئيس في نيسان (أبريل) 1975. وخلال مسيرته الطويلة، تعرض لست محاولات اغتيال ما جعله يرفض رفع حال الطوارئ السارية في البلاد منذ توليه الحكم. وقد غذى صعود نجم نجله الأصغر جمال، القريب من أوساط رجال الأعمال، الشكوك بشأن عملية «توريثه» للحكم خلال الانتخابات الرئاسية المقررة في أيلول (سبتمبر) 2011 ما أدى الى احتجاج المعارضة. في المقابل فإن الانفتاح الاقتصادي الذي تسارعت وتيرته في السنوات الأخيرة أتاح تحقيق طفرة اقتصادية وظهور «أبطال» مصريين في مجال الاتصالات أو الإنشاءات. إلا أن نحو أربعين في المئة من 80 مليون مصري لا يزالون يعيشون بأقل من دولارين في اليوم وفقاً للتقارير الدولية، في وقت تتهم البلاد بانتظام في قضايا فساد. ولمبارك الذي خضع في آذار (مارس) 2010 لجراحة لاستئصال الحوصلة المرارة في ألمانيا، ابن آخر هو علاء نجله البكر من زوجته سوزان ثابت «سيدة مصر الأولى» التي يقال إن لها تأثيراً كبيراً على زوجها.