تمضي الأيام والسنون، فتتراكم الديون وتزيد المآسي وتتعاقب الأمراض على أفراد الأسرة. لا أحد يرى دموعه فهو يذرفها في جنح الظلام، ولا أحد يعلم بالجبال التي يحملها على كاهله والحزن الذي تمتلئ به معالم وجهه، فالأيام علمته تصنع الابتسامة ومؤانسة ووالدته وزوجته واللعب مع أطفاله تحت أي ظرف. هو خائف يدعي الشجاعة وقلق يقوم مترنحاً ليظهر الصمود في وجه العواصف... لكن إلى متى يصارع وحيداً؟ أبو سعد شاب يحاول التقاط أنفاسه من وطأة الديون التي تثقل كاهلة بسبب ظروفه ومعاناته التي فرضت نفسها بقوة، ودفعته وهو الذي يعول أسرة مكونة من سبعة أفراد إضافة إلى والدته وشقيقاته الثلاث، إلى تجديد ديونه باستمرار بسبب المصروفات التي أصبحت تحاصره من كل اتجاه. ويقول أبو سعد ل«الحياة» إن المعاناة التي يعيش فيها صاحب الديون والمحتاج لا يشعر بها إلا الشخص نفسه، «أنا أعاني من ديون والدي يرحمه الله بعد أن أشترى منزلاً يؤوي والدتي وشقيقاتي»، موضحاً أنه اضطر إلى سداد هذه الديون بعد وفاة والده. ويضيف: «ما أعيشه من ضغوط مادية جعلتني أتخبط ولا أعرف إلى أين أتجه، خصوصاً في ظل مرض والدتي الطاعنة في السن التي تعاني من ارتفاع ضغط الدم والتهابات مزمنة في الجهاز التنفسي، إذ تفاجئها نوبات تجبرني على علاجها في المستشفيات الخاصة»، لافتاً إلى أن تلك المستشفيات أصبحت تقاسمه قوته وقوت أبنائه. لا تتوقف معاناة «أبو خالد» عند الديون ومرض والدته، فأحد أبنائه يصارع مرضاً مزمناً منذ أمد طويل، جعله أسيراً لمراجعات المستشفيات والأطباء الشعبيين، «ابني المريض اسمه فهد يعاني من مرض نفسي ومنذ سنوات وأنا مستمر في زيارة الأطباء الشعبيين بعد أن وجدت أطباء المخ والأعصاب عاجزين حتى عن تشخيص حالته»، مؤكداً أن حالات انهيار عصبي ونوبات بكاء تفاجئه ولا يتوقف إلا بعد ساعات تكون الأسرة بأكملها قد ذرفت عليه الدموع من شدة صراخه. توقف أثناء الحديث ونظر إلى الأسفل في لحظات ألم وحزن من الصمت، «يوجد الكثير من المحتاجين يعفون عن السؤال والطلب، ولكن الدين تحول إلى هم ثقيل على الكاهل في كيفية التسديد بسبب كثرة أعداد الأسرة التي أقوم برعايتها والصرف عليها، وفي حال لم يتم الدفع سأواجه المشكلات خصوصا بمن سيقوم المسؤول عن أسرتي». ويتابع أبو سعد: «نصبح في المنزل في حال من الترقب والانتظار والهدوء، وعندما تشعر والدتي بالتعب لا أستطيع تمالك نفسي خشية عليها من المصير المجهول الذي ينتظرها، وأظل أبكي لساعات وهي ممدة على السرير الأبيض»، مشيراً إلى أنه يستمد قوته على مصاعب الحياة من الله عز وجل ثم من والدته التي لا تنفك تدعو له وتشد من أزره للصبر على المصائب والتغلب على الديون. ويتمنى رب الأسرة الحزين أن يسخر الله له من فاعلي الخير من يساعده في التغلب على ظروفه المادية، حتى يتفرغ لعلاج والدته وابنه، «لم أعد قادراً على تحمل الحزن في عيون أبنائي، أراهم منكسرين وأخشى من عواقب ذلك على مستقبلهم وتأثيره السلبي في تعاملهم مع الآخرين».