خلف جدران شقة صغيرة يعيش أبو شذا في بحر من الجهد تتقاذفه أمواجه العاتية بلا رحمة أو لين. تراه حيناً يدنو من والدته المريضة، وحيناً آخر بين شقيقاته المصابات بتخلف عقلي، وما بين والدته وشقيقاته تجده يفكر ويسرح كثيراً. يتمنّى أن يُدخل السعادة إلى قلوبهن ويرسمها على شفاههن، ولكن من دون جدوى، فالحمل كبير والمتطلبات كثيرة، والمعوقات بما فيها من مرض وحزن وعوز لا تنفك تعرقله في كل خطوة يخطوها في هذا الاتجاه. لا يمكن أن تعيش أسرة في سعادة وهناء وسبعة من أفرادها مصابون بتخلف عقلي، بينما يعاني البعض من ضعف في الفهم والسمع. وتعيش هذه الأسرة السعودية المكونة من 15 فرداً تحت وطأة العوز والفاقة وقلة الحيلة، ويخيم الحزن والعجز على جميع أفراد الأسرة، جراء ما يشعرون به من ضعف يمنعهم من تحسين ظروفهم، علاوة على الأم المصابة بتخلف عقلي وخرس. يقول أبو شذا الأخ الأكبر والمسؤول عن الأسرة: «ضاعت حياتنا بين العوز والمرض، فراتبي 2800 ريال، وهو لا يسد رمق أطفالي، فكيف بشقيقاتي المريضات واللاتي يحتجن أحياناً إلى أدوية مهدئة لهن، نعيش في حال لا يعلمها إلا الله»، لافتاً إلى أنه تمر عليهم أيام لا يجدون ما يؤكل في المنزل، خصوصاً في ظل وجود مصاريف العلاج المكلفة التي تستحوذ على جل الراتب. ليس العوز وحده مشكلة هذه الأسرة، فالخوف على البنات لحظه خروج الأخ إلى العمل هي من أكبر المشكلات، خصوصاً أن زوجته وزوجة والده يراعيان شؤونهم حتى يعود إلى المنزل. لم يستطع أبو شذا إكمال معاناته وأجهش بالبكاء وهو يقبّل رأس والدته المريضة: «يتقطع قلبي عشرات المرات في اليوم وأنا أشاهد شقيقاتي المسكينات بهذا الوضع، أحياناً هادئات وأحيانا ينتابهن شيء من الفوضى والتكسير»، مشيراً إلى أن وفاة والده سببت له نكسه كبيرة في ظل هذه الظروف المرضية لشقيقاته ووالدته. وأمام الظروف القاسية والحزن العميق لا يملك أبو شذا سوى الدموع والدعاء بشفاء شقيقاته وتحسن حالتهم المعيشية. ويضيف: «أنا مؤمن وصابر ومحتسب ولكنني أتعذب وأنا أشاهد والدتي وشقيقاتي يقاسون هذا الألم النفسي، ويحز في خاطري أنني لم أستطع إسعادهم وتأمين ما يحتاجون إليه، خصوصاً وهم يحتاجون إلى عاملة منزلية تراعي شؤونهم، ففشلت حتى في أبسط متطلباتهم، وأحياناً لا استطيع نقلهم إلى المستشفى لعدم وجود سيارة تكفيهم فأضطر إلى حمل اثنتين والبقية يتبعونني في سيارة أجرة إلى المستشفى». وعلى رغم معاناتهم اليومية التي لا تنتهي، فإن أصعب اللحظات التي تمرّ على «أبو شذا» هي عجزه عن شراء بعض الأدوية المسكنّة ودفع الإيجار بسبب فقره وقلة حيلته، متمنياً من فاعلي الخير زيارته في منزله حتى يتأكّدوا من الوضع السيئ الذي تعيشه أسرته، لعل ذلك يكون باباً لمساعدتهم، ويتمنى أن يحصل على عاملة منزلية تساعدهم في السيطرة على البنات ومساعدتهن.