أشعل محام سعودي جدلاً بات موسمياً بين السعوديين، حول إغلاق المحال التجارية أثناء أداء الصلوات الخمس. وما كاد المحامي يطلق تغريدته التي اعترض فيها على الإغلاق، حتى تبارى المغردون السعوديون لإبداء موقفهم بين مؤيد ومعارض. كما أنشؤوا عدداً من «الأوسمة» (هاشتاقات)، ليعبروا من خلالها عن موقفهم من هذه القضية الجدلية. وينقسم السعوديون حول إغلاق المحال وقت الصلاة بين «مؤيد» و«معارض» له. ولا يقتصر هذا الانقسام على أوساط العامة منهم، بل حتى بين المسؤولين والمشايخ، إذ يبرز في هذا المجال الرئيس العام السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ أحمد الغامدي، الذي أعد دراسة علمية توصل فيها إلى أن الإغلاق غير شرعي. فيما أصدر أكاديميون دراسات علمية، حول الخسائر المادية التي يتكبدها الاقتصاد السعودي، بسبب الإغلاق خلال الصلوات الخمس، والتي قدرها بعشرات البلايين سنوياً. وكان المحامي السعودي أحمد خالد الأحمد السديري، نشر تغريدة مقتبسة من مقال كتبه، جاء فيها: «إن قفل المحال وشلّ سير الحياة في أوقات الصلاة فيه تحريم لما أحل الله ولهذا لم تطبقه دول الإسلام»، مشيراً إلى أنه لم يرد ما يشير بأن الإقفال هذا ألزم به في عهد الرسول والصحابة والخلفاء الراشدين». واشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي بالمواقف المؤيدة والمعارضة لما طرحه المحامي السديري. إذ كتب أحمد السالم تغريدة «مؤيدة» جاء فيها: «التعود على الأمر لا يعني صحته، اعتيادنا على إغلاق المحال وقت الصلاة لا يقتضي خطأ فتحها». وأيده المغرد حسان حجي في تغريدة كتب فيها: «الناس تنتظر في الشارع تحت لهيب الشمس حتى تفتح المحال، الدين يُسر وليس عُسراً». وكتبت الدكتورة فاطمة الجارد: «قارنوا بين مساجدنا ومساجد دول الخليج وبخاصة الإمارات، لتستحوا أن تفتحوا هذا الموضوع وتناقشوا موضوع النظافة بدلاً منه». فيما غرد الباحث في الفكر الاجتماعي الكاتب محمد الحمزة: «إن إغلاق المحال وقت الصلاة هو أمر «تنظيمي»، وليس «شرعياً». ومن يعتبره شرعياً ويجتهد في تأصيله وإجبار الناس عليه لم يحسن الطريق». وزاد في تغريدة أخرى: «إن معظم العمّال غير المسلمين يكون وقت إغلاق المحال والصلاة، فرصة لهم للاستراحة والنوم، وفي ذلك تعطيل مصالح الناس بحجة الصلاة». ورد على ذلك المغرد إبراهيم الفقيه، معارضاً بقوله: «بل هو شرعي تحكمه نصوص الشرع ومقاصده وقواعده. وله آثار إيجابية كثيرة: شرعية وأمنية ونفسية وغيرها». وكتب الشيخ محمد الشنار معارضاً في تغريدة له: «رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع» كانوا يشترون ويبيعون، فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما بأيديهم وقاموا إلى المساجد». بدوره، قال المحامي السديري في تصريح إلى «الحياة»: «إن المصلحة العامة تقتضي عدم إغلاق المحال التجارية وقت الصلاة»، مشيراً إلى أنه استند فيما قاله على «الشرع الإسلامي، الذي أكد عدم إكراه الناس على الصلاة». وقال: «كل من عارض ما قلته لم يستند إلى دليل من القرآن، ولا السنة بنص شرعي»، مؤكداً أن «إجبار الباعة على الصلاة مخالف للدين والقرآن. وجاء فيه «لا إكراه في الدين». فالمصلي مجبراً أو مكرهاً أو منافقاً لن تقبل صلاته». ولفت السديري إلى أنه في عهد الخلافتين: الأموية والعباسية، وصولاً إلى القرن الثالث الهجري الذي اجترأت فيه جماعة من المسلمين على فرض نوع من التشدد والصرامة في تطبيق أحكام الشريعة. هذه الجماعة لم تلزم بقفل الأسواق إبَّان إقامة فروض الصلاة»، مضيفاً: «إن هذا الإقفال لم تطبقه دول الإسلام في أي عصر من العصور وحتى أيامنا هذه، ومع هذا لم يجحد أحد عليها إسلام أهلها وتقوى الكثيرين منهم. كما أن عدم إغلاق المحال وقت الصلاة لم يحل دون انتشار الدعوة المحمدية، واعتناق شريعتها لا في سالف الأوان ولا في حاضرنا الذي نحياه، فالناس يدخلون دين الإسلام أفواجاً حتى هذه الساعة، في بلاد لا تقفل محالها وقت الصلاة». وذكر السديري أن أحد رؤساء هيئة الأمر بالمعروف السابقين هو الذي استحدث إغلاق المحال خلال وقت الصلاة. وقال: «إن الأمر بإقفال المحال انقلب إلى محض عمل مادي، لا شرعة له ولا قوة ولا إلزام له، وبهذا فإنه لا يستطاع شرعاً إلزام أي فرد من الناس بإغلاق دكانه»، لافتاً إلى أن «رئيس الهيئة في ذلك الحين ابتدع أمراً (إقفال المحال) لا يجيزه له الشرع. كما أنه ناكث للنظام الذي أمر به ولي الأمر، فهو شرَّعَ أمراً جديداً لم يأتِ به النظام. كما أن كل قواعد الشريعة التي وردت في القرآن أو السنة أو الأثر لم تأمر بقفل الأسواق. إضافة إلى أن ولي الأمر المخول اشتراع القواعد التي تنظم أحوال المجتمع، لم يأمر بإقفال المحال حينما أصدر نظام هيئة الأمر بالمعروف. ولم يصدر أمر سام بعد صدور هذا النظام يقول بذلك. فهو لم يرَ فيه مصلحة للمسلمين، وعليه فإن إقفال المحال غير سائغ شرعاً، طالما لم تكن هناك له ضرورة أو مصلحة للناس تقضي بذلك».