واصل مئات المتظاهرين اعتصامهم في ميدان التحرير في قلب القاهرة أمس بعد جمعة «لمِّ الشمل» التي سيطر عليها الإسلاميون بحشود تخطت مئات الآلاف، ورفعوا فيها شعارات تتعارض تماماً مع توجهات الليبراليين الذين ظلوا معتصمين في الميدان على مدار ثلاثة أسابيع. وسعى الإسلاميون إلى طمأنة الليبراليين من أنهم لا يريدون الاستئثار بتحديد مستقبل البلد بعدما طالب الآلاف منهم أول من أمس بتطبيق الشريعة الإسلامية وظلوا يرددون (إسلامية .. إسلامية) رافضين وضع مبادئ فوق دستورية يطالب بها الليبراليون وتعهد المجلس العسكري بتضمينها في إعلان دستوري في حال التوافق عليها. في غضون ذلك، أعلن رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار السيد عبدالعزيز عمر أنه تقرر بصورة نهائية أن تعقد محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه والمقرر لها 3 آب (أغسطس) المقبل داخل مقر أكاديمية الشرطة في ضاحية القاهرةالجديدة، بدل مكان سبق اختياره داخل مبنى الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في أرض المعارض في مدينة نصر. ولوحظ أمس قلة أعداد المعتصمين في ميدان التحرير وفك عشرات من الخيام التي كانت ضربت في الميدان على مدار ثلاثة أسابيع كما خففت اللجان الشعبية من إجراءات تفتيش المارة الراغبين في دخول الميدان والتدقيق في هوياتهم. ولم توجد هذه اللجان عند بعض مداخل الميدان. وبدا أن المعتصمين يتجهون إلى فك اعتصامهم، وهو ما ناقشته القوى السياسية الداعية إلى الاعتصام في اجتماع عقد مساء أمس. وقالت مصادر في هذه الائتلافات قبل عقد الاجتماع ل «الحياة» إن «الاتجاه السائد الآن هو فض الاعتصام بسبب حلول شهر رمضان وصعوبة مواصلة الاعتصام في ظل ارتفاع درجات الحرارة». وأفيد بأن قرار فض الاعتصام سيتوقف على اجتماع بين القوى السياسية وأهالي الشهداء الذين اجتمعوا أمس مع نائب رئيس الوزراء الدكتور علي السلمي ووزير الصحة والسكان الدكتور عمرو حلمي في حضور عدد من شباب الثورة والمعتصمين في ميدان التحرير والمضربين عن الطعام. وقال المنسق العام لحركة «6 أبريل» محمد عادل ل «الحياة» إن تصرفات الإسلاميين في جمعة «لمِّ الشمل» زادت من أجواء عدم الثقة بين مختلف الأطراف، معتبراً أن ما حدث في التظاهرات «كان خيانة لاتفاقات مسبقة»، رافضاً الحديث عن أن حشد الإسلاميين دليل على أنهم كتلة معتبرة في مصر، معتبراً أن «الإسلاميين حشدوا أعضاءهم التنظيميين أما الحركات الشبابية فتحشد قوى الشعب». وكان الميدان شهد هجوماً كبيراً مساء الجمعة على الإسلاميين بعدما أخلوه عقب انتهاء تظاهراتهم. وندد عدد من الشباب بسيطرة الإسلاميين على كل منصات الميدان صباحاً وكذلك رفعهم شعارات «غير توافقية»، ونفذوا مسيرة طافت كل أرجاء الميدان رافعة شعارات (مدنية .. مدنية). وحذرت اللجنة الشعبية للدستور المصري من خطورة لجوء التيار الديني إلى استعراض القوة لإسكات القوى المطالبة بوضع دستور جديد للبلاد أو مواد دستورية حاكمة وقواعد منظمة لاختيار واضعي الدستور، تضمن عدم انفراد فصيل دون آخر بتقرير مستقبل مصر، أو إهدار الحريات وأسس بناء دولة القانون والمواطنة المدنية الديموقراطية. واعتبرت اللجنة في بيان أن سيطرة الجماعات الإسلامية على ميدان التحرير في جمعة لم الشمل بشعاراتهم، والتحريض ضد الدولة المدنية والقوى المعارضة لهم «تأكيد على رغبتهم في تهميش باقي أبناء الوطن، وبداية للانقلاب على الديموقراطية التي سمحت لهم بالوجود والحركة في الشارع السياسي بشكل مشروع». ودعت المجلس العسكري إلى تحمل مسؤوليته بوقف تهديد مدنية الدولة التي تعهد بها، ولجم الأفكار المتطرفة. ورد نائب مرشد الإخوان الدكتور رشاد بيومي مؤكداً أن جماعة الإخوان كانت حريصة على عدم رفع أي شعار يثير حساسية لدى الليبراليين. وقال: «يجب التفريق بين المنصة الرئيسية والمجموعات الفردية (...) المنصة الرئيسة لم ترفع أي شعارات غير توافقية»، مضيفاً أن «السلفيين مدارس مختلفة، والمجموعة الرئيسة التي وجدت على المنصة الرئيسية التزمت، لكن بعض الناس رفعوا شعارات إسلامية وأرى هذا الأمر نوعاً من أنواع الانفتاح بعد كبت شديد تعرض له السلفيون، فهم نالهم أذى كبير في عهد النظام السابق». وأوضح أن الإسلام «ليس فيه دولة دينية يتخوف منها العلمانيون، ليس لدينا ولاية فقيه، والدولة الدينية ليس لها أصل في الإسلام». وبخصوص رفع شعار «الشعب يريد تطبيق الشريعة»، قال بيومي إن «موضوع الشريعة لا يجب أن يتكلم فيه أحد، فالشريعة حامية للمسلمين وغير المسلمين، وأكثر الناس انتفاعاً بتطبيق الشريعة هم الأقباط، أما من يتلونون باسم العلمانية لا يعرفون أصلاً ما هي الشريعة ولا الإسلام، ويتحدثون عن الحدود وهم لا يعرفون أنها آخر شيء يطبق في الإسلام ولها شروط قاسية جداً (...) هم يكنون عداء شديداً للإسلام من دون مبرر». وقال عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية الدكتور ناجح إبراهيم ل «الحياة» إن «حشد الإسلاميين في جمعة لمِّ الشمل كان رد فعل وليس فعلاً (...) رد فعل على الاستفزازات التي حدثت من شباب التحرير مثل إغلاق مجمع التحرير والطرق الرئيسة والمطالبة بتعيين رئيس وزراء يسمونه هم من دون تشاور ثم أدخلونا في دوامة الدستور أولاً وبعدها المجلس الرئاسي ثم المواد الحاكمة للدستور وأخيراً الهجوم على المؤسسة العسكرية ومحاولة الاحتكاك بالجيش في ثكناته واستفزاز المجلس العسكري والمطالبة بإسقاطه، كل هذه الممارسات محاولات لاختطاف الثورة». وأضاف: «أردنا أن نبلغهم رسالة بأن هناك كتلة صامتة لها آراء مختلفة عنكم ولا تريد الاصطدام بين الثورة والجيش وتريد مجلسكم الرئاسي ولا موادكم الحاكمة ولن تسمح باختطاف الثورة». وشدد إبراهيم على أن المنصات الرئيسة في ميدان التحرير التزمت الاتفاق على عدم رفع شعارات غير توافقية. أما المتحدث باسم الدعوة السلفية الدكتور عبدالمنعم الشحات، فقال ل «الحياة» إن «جمعة لمِّ الشمل أرادت إبلاغ رسالة مفادها أن الإسلاميين الذين يريدون أن تحكم الشريعة يطالبون بعودة حق الشعب إليه، لم نطلب حقاً شخصياً ولكن حق الشعب في تحديد مصيره (...) إذا كان هناك 5 آلاف خرجوا ليقولوا الدستور أولاً وخرج عدد أكبر أول من أمس ليقولوا نعم للإرادة الشعبية، فإننا مع ذلك نطالب بعودة المسار الديموقراطي لطبيعته والاحتكام لرأي الناس عبر صندوق الانتخابات»، مشيراً إلى أن الدعوة السلفية تطالب بتطبيق الشريعة قبل الاستفتاء وبعده. وشدد على أن الدعوة «لم تكن طرفاً في أي اتفاق مع أي جهة بخصوص الشعارات المرفوعة يوم جمعة لمِّ الشمل وأبلغنا الجهات التي أعدت البيانات التوافقية أننا لدينا مطالب لم ينص عليها في هذه البيانات التي خلت من أي منع». وأضاف: «أزعم أن التيار الليبرالي بكل رموزه لا يعارض تطبيق الشريعة الإسلامية والإبقاء على المادة الثانية من الدستور (...) أما عن القوى التي قالت إنها انسحبت من الميدان فلم نشعر بانسحابها فهي لم تخلف أي فراغ، وهذه القوى استقبلتنا في الميدان بالشتائم والهتافات العدائية».