ذهل الأوروبيون والأميركيون عندما علموا أن مرتكب مجزرة النروج أندرس برييفك ليس مسلماً، فوسائل الإعلام والخطاب الرسمي كرّست في وعي الغربيين، على مدى العقدين الماضيين، أن الآخر المسلم هو الإرهابي. وأن الحركات الأصولية المسيحية أو القومية الفاشية ليست سوى مجموعات من المتطرفين الهامشيين، لا يشكلون أي خطر على المجتمع أو على الأنظمة العلمانية. في ظل هذا التجاهل نمت حركات متطرفة كثيرة، وصل بعضها إلى الندوات البرلمانية، وأصبح جزءاً من المؤسسات الديموقراطية التي تخطط للسياسات المحلية والخارجية. لا يقتصر وجود هذه الحركات اليمينية المتطرفة على بلد أوروبي دون الآخر. في ألمانيا حوّل النازيون الجدد قبر اليد اليمنى لهتلر رودولف هيس إلى مزار، ما اضطر السلطات إلى إحراق الرفات وذر رمادها في البحر. ولهؤلاء النازيين تاريخ طويل من العنصرية. في الدنمارك استطاع «حزب الشعب» المتطرف اختراق يمين الوسط وفرض سياسة متشددة ضد المهاجرين. في بريطانيا تشكل «رابطة الدفاع» قوة ضغط على الحكومة كي تغير سياستها تجاه المهاجرين، خصوصاً المسلمين. وينشط أعضاء هذه الرابطة في المدن المختلفة، يرفعون شعارات الكراهية، ويعتدون على الباكستانيين والهنود والبنغاليين المسلمين، وعلى أي أجنبي يحاول الاقتراب أو السكن في مناطقهم، خصوصاً في شرق لندن، حيث تكثر الجاليات الآسيوية. في فرنسا ورثت مارين، إبنة جان-ماري لوبن، والدها في كل شيء، في العنصرية والحقد والتطرف، خصوصاً ضد الجزائريين والمغاربة عموماً. وقد أصبح هذا الحزب القوة الثالثة. الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة منتشرة في طول أوروبا وعرضها. كلها يتغذى من السياسة الاستعمارية القديمة المستمرة في الحاضر. تنفذها أنظمة ديموقراطية في أوطانها، متطرفة عنصرية في الخارج. تدعي نشر القيم الإنسانية فيما تقتل وتبتز المفترض بهم أن يتعلموا هذه القيم. والأمثلة كثيرة، منها ما حدث ويحدث في العراق وفلسطين وليبيا. والخطير في الأمر أن الإعلام يغذي هذه النزعة العدوانية ويبني رأياً عاماً يشكل غطاء لحروب لم تنقطع منذ القرون الوسطى، وبيئة حاضنة لكل أنواع العنصرية وهي جزء اساس من تاريخ هذا الغرب، يتنكر له بعض أبنائه ويجهر به آخرون. كتب برييفك: «صلّيت اليوم للمرة الأولى منذ زمن طويل. طلبت من الله ،إذا لم يشأ أن يسيطر التحالف الماركسي-الإسلامي على أوروبا وينهي المسيحية فيها، خلال المئة عام المقبلة، أن ينصر المحاربين من أجل الحفاظ عليها». كلام برييفيك جزء من ايديولوجيا متكاملة تتبناها الحركات العنصرية الأوروبية والأميركية، وهي جزء مهم من تاريخ الغرب تحاول هذه الحركات استلهامه لممارسة عنصريتها وإرهابها. هل قلنا إرهاب؟ نعم. لكن الصحف ووسائل الإعلام ترددت كثيراً ولم تطلق على برييفك صفة الإرهابي لأنها تقتصر على المسلمين. أما هو فمتعصب أو متطرف، وبعضها لم يرَ سبباً لجريمته سوى أنه تعلم من تنظيم «القاعدة». وبعضها الآخر أكد أنه مختل عقلياً يجب ألا يحاكم على جريمته. وهذه حجة محاميه أيضاً. أوروبا معرضة لكل أنواع الإرهاب، إذا لم تتنبه ديموقراطياتها الى التنظيمات الأصولية المتطرفة، وإذا بقيت ترى إليها مجرد حركات هامشية تأثيرها محدود.