اعتادت رهف (9 سنوات) أن تطلب من أمها وهي تتصفح الإنترنت، أن تفتح لها مواقع «ألعاب بنات»، وهي مواقع مختصة بتقديم ألعاب من شأنها تعزيز الميول الأنثوية عند الطفلة. ومن «مميزات» هذه الألعاب، والتي تحمل أسماء مثل: لعبة «تلبيس الفتاة الشقراء»، و «ترتيب وديكور غرفة الصالون»، بأنها تحفّز مخيلة الطفلة على تصوّر نفسها، في شكل يعزّز صورة نمطية عن الذات على اعتبارها أنثى تتمايز عن الذكر بأدوار محددة تتفق ونظرة المجتمع الذكوري للأنثى. وهو أمر من شأنه تكريس الفصل بين الجنسين وتدعيم الأدوار التي ترسمها الثقافة التقليدية للأنثى. وفي الوقت الذي يعتبر الفضاء الافتراضي قائد «ثورة حداثية» بامتياز، تقطع الروابط مع الماضي أو على الأقل تساهم بتغييرها في شكل مباشر أو غير مباشر، فإن استخدامات الإنترنت ما لبثت أن أماطت اللثام عن «انزلاقات» تعمل على إعادة إنتاج الواقع التقليدي، في شكل يجعل من هذه الأداة «الثورية» وسيلة تكريس للثقافة التمييزية. وتحفل المواقع التي دأبت رهف على طلب تصفحها، والتي تنتشر على الشبكة باللغة العربية، بتقديم ألعاب من شأنها تعزيز الفصل بين الذكور والإناث وتنشئة الطفلة على دور أنثوي خالص. ومن العنوان يمكن معرفة فحوى الرسالة، وهو ما ينطبق تماماً على عنوان الموقع الإلكتروني «ألعاب بنات»، وتبدو محتويات هذه المواقع وكأنها تصوغ ميول الطفل وتوجهه تبعاً للتمييز السائد، في أسلوب ينمّي عند الطفلة، في شكل خاص، نظرة إلى الذات هي في محصلتها سلبية، ما يحصر أدوار البنت باهتمامات جرى ربطها بالأنثى في شكل خاص، من قبيل الاهتمام بالفساتين وقص الشعر والماكياج. وفي مجتمع مثل المجتمع اليمني، تتضافر مختلف أقنية التنشئة بدءاً من الأسرة مروراً بالمدرسة ووسائل الاتصال، على تربية الطفل وفقاً لتوجهات تقليدية تفصل بين الإناث والذكور، وتحدّد لكلّ من الولد والبنت أدواراً مرسومة مسبقاً لتظهر «أسبقية» و «أفضلية» الولد على حساب البنت. وفي مجتمع مماثل يغدو استخدام الإنترنت على هذه الصورة، أمراً محبطاً ومخيباً للآمال المرجوة من هذه الوسيلة، والتي لطالما نُظر إليها على اعتبارها وسيلة تحرير من آثار الثقافة التمييزية. ومن المعروف أن الثقافة العامة السائدة في المجتمعات العربية لا تزال في العمق تمييزية خصوصاً في ما يتعلق بالنظرة إلى الأنثى. وتنتشر في اليمن تصورات لا تخلو من دلالة في هذا المجال من قبيل الاعتقاد أن المرأة الحامل بأنثى تعاني آلاماً أكثر ممّا تعانيه تلك الحامل بذكر. ولا يزال التمييز قائماً في الاحتفال بالمولود، ومنها أن يعمد الأب الذي يُرزق بولد إلى إطلاق الرصاص وتنظيم مأدبة، على عكس ما يحصل عندما يكون المولود أنثى، والتي غالباً ما يلوذ الأب بالصمت ما إن يعرف بخبر خروجها إلى الحياة، أو أن يقوم بإخفاء خبر ولادتها. ويبدو أن عدداً كبيراً من الأسر اليمنية بما فيها تلك التي تُبدي حرصاً على تربية أبنائها تربية حديثة تُغفل أو لا تُعير انتباهاً لما يمكن أن تنطوي عليه محتويات الألعاب المنتشرة على شبكة الإنترنت. فعلى رغم أن والدي رهف يعملان في سلك التربية والتعليم وميولهما عصرية، غفلا عن مضامين الألعاب التي تتصفحها. وتظن أم رهف أن موضوع ألعاب البنات يتعلق بطبيعة الثقافة التقليدية لدى القائمين على مثل هذه المواقع خصوصاً في المنطقة العربية، ولا تنكر عدم معرفتها بكيفية بدء علاقة ابنتها بهذه المواقع أو كيفية اكتشافها لها. ولا يزال الفضاء الافتراضي يثير جدالاً خصوصاً لجهة إمكانية تعزيز العنف والتمييز وتدعيم ما يُعتقد أنها تقاليد سلبية. وتؤكد الاختصاصية الاجتماعية سارة طاهر وجود «تأثير كبير» للألعاب في شكل عام وألعاب الإنترنت في شكل خاص في الصغار، وصوغ شخصياتهم وتشكيلها. وتقول إن مرحلة الطفولة تمثل أشد المراحل حرجاً في بناء التوجهات النفسية والعقلية للفرد. وتشير إلى أن ما يختبره الطفل في هذه المرحلة يظلّ حاضراً حتى على مستوى اللاوعي. وترى أن سلبية بعض الألعاب على الشبكة لا تعود إلى الشبكة ذاتها بل إلى سوء استخدامها ومحدودية الحضور العربي الفاعل فيها. وترى أن الحل لا يكمن في منع الأطفال من استخدام الإنترنت أو ألعابها بل في إرشادهم إلى الألعاب التي تنمي «شخصية متوازنة»، وتحد من الآثار السلبية ومنها التمييز بين البنت والولد، مؤكدة أهمية إنتاج وتصميم ألعاب تلبّي حاجات الطفل العربي وتعزز ثقافة المساواة عنده. وتنتشر في اليمن سلوكيات المحاكاة السلبية التي يقوم بها الصغار، وتساهم البيئة الاجتماعية المحافظة في دفع الصغار إلى هذا النوع من المحاكاة التي من شأنها تكريس الصورة النمطية المعطاة لكل من الولد والبنت.