الاستقالة التي قدمها الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة عز الدين شكري فشير من منصبه الذي تولاه قبل أقل من أربعة شهور، وضعت وزير الثقافة المصري عماد أبو غازي أمام مأزق اختيار البديل القادر على تحقيق آمال المثقفين المصريين بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير). وتتلخص تلك الآمال في ضمان تحقيق استقلال حقيقي للمجلس وتحريره من تبعيته لوزارة الثقافة، وهو مأزق ليس من السهل تجاوزه في ضوء الأزمات التي واجهها فشير خلال المدة التي تولاها، والتي تركزت في مسألتين أساسيتين، الأولى المطالب الفئوية التي رفعها العاملون تحت إدارته لتحسين أوضاعهم المعيشية، وهي أزمة عامة تعيشها قطاعات عدة في مصر، وحاول فشير احتواءها بعقد سلسلة لقاءات مع هؤلاء العاملين، مقترحاً تشكيل لجنة نقابية لحل مشكلاتهم. وهو ما تم بالفعل، إذ أجرى العاملون بالمجلس لأول مرة انتخابات لتشكيل لجنة من ثمانية أفراد تبحث مشكلاتهم مع الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة وترفعها لوزير الثقافة. أما المسألة الثانية، فارتبطت بغياب الروابط التي تجمع فشير بالمثقفين المصريين القادمين من حقول الإبداع والإنتاج الفكري. فعلى رغم إصداره أربعة أعمال روائية وجدت استقبالاً طيباً في أوساط النقاد وصلت إحداها إلى القائمة الطويلة في جائزة «البوكر» العربية عام 2008، إلا أن فشير القادم من العمل الديبلوماسي لم يجد ترحيباً كاملاً من بعض المثقفين، الذين اعتبروه من «خارج الدائرة»، لكنه استطاع خلال أربعة شهور تجاوز هذه العقبة بعد أن سعى إلى تنظيم مجموعة من ورش العمل ولقاءات عامة مع مثقفين من أجيال مختلفة، انتهت إلى وضع تصور لمستقبل المجلس الأعلى للثقافة وإعادة هيكلته. وهو تصور أكد أبو غازي في تصريحات ل «الحياة» أنه «يلبي طموحات المثقفين، وسنستكمل مع الأمين العام الجديد العمل لإيجاد آلية لتنفيذه». وكان فشير أعلن في بيان استقالته انتهاءه من المهام الرئيسية التي كلفه بها وزير الثقافة، وأهمها صياغة مشروع لإعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة، وإعداد مشروع متكامل لتعديل نظام جوائز الدولة بما يضمن معالجة عيوب النظام القائم، كما اتفق مع أبو غازي على خطة النشر في المجلس للعام المقبل، مؤكداً أن تفضيله الاستقالة على الاستمرار في تنفيذ تلك المشاريع جاء لأن «مقعد السلطة لا يريحني. وبين مقعد السلطة ومقعد الكتابة، اختار الكتابة بلا تردد، فالكتابة حرية لا يعادلها أي منصب». مصادر مقربة من فشير أكدت أنه استقال لينضم إلى حملة دعم المرشح المحتمل للرئاسة في مصر محمد البرادعي. ومن جانبه، أكد أبو غازي أنه سيقوم بانتداب أمين عام جديد ليشرف على إعادة هيكلة المجلس، على أن يكون «أحد الوجوه القريبة من دوائر المثقفين ليضمن الدعم الذي يمكِّنه من تحقيق مهمته». وعلمت «الحياة» أن فشير سيظل يمارس مهام منصبه حتى نهاية الأسبوع الأول من آب (أغسطس) المقبل. وكان فشير أعلن أن المشاورات المكثفة التي أجراها مع مثقفين من داخل المجلس الأعلى للثقافة وخارجه عبر الشهور الماضية، أسفرت عن بلورة توافق عام حول مهام المجلس الجديد، وكيفية تشكيل لجانه وهيئاته، بحيث تعبر عن تنوع الجماعة الثقافية وتكون حلقة وصل بين المثقفين والمجلس. وقبل ترك مقعده، بعث فشير برسائل الى أكثر من ستين جهة لتقديم مرشحين للجان الجديدة، وهي بداية عملية بناء المجلس من القاعدة للقمة. وأوضح أنه ترك للوزير مسألة حسم علاقة المجلس بالوزارة لاحقاً، عندما تنتهي عملية تشكيل اللجان والهيئة العليا للمجلس.