أعلنت قوى التيار الإسلامي غيابها عن المشاركة في تظاهرات مزمع تنفيذها اليوم في ميدان التحرير (قلب العاصمة المصرية) ومحافظات أخرى، تحت مسمى «جمعة الإنذار الأخير»، الأمر الذي أظهر استعادة القوى السياسية «خلافاتها» مجدداً. وجاء ذلك في وقت كشفت السلطات القضائية المصرية النقاب عن تفاصيل التحقيقات التي جرت حول الهجوم الذي نفذه رجال النظام السابق على المتظاهرين في ميدان التحرير، والذي وقع في شباط (فبراير) الماضي وسمي ب «موقعة الجمل». وكشفت التحقيقات أن الأمين العام السابق للحزب الوطني «المنحل» رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف، كان العقلَ المدبر لتلك الأحداث التي سقط خلالها مئات القتلى والجرحى. واستمر رئيس الحكومة عصام شرف في مناقشاته لإجراء تغييرات جذرية على حكومته، والتي من المقرر إعلانها بشكل رسمي خلال ساعات. وأفيد أن التغييرات ستطال نحو 12 حقيبة وزارية تشمل وزراء التنمية المحلية، البيئة، الكهرباء، الانتاج الحربي، الثقافة، الصناعة والتجارة، النقل والمواصلات، الطيران المدني، الزراعة واستصلاح الأراضي، والمال. والتقى شرف عدداً من المرشحين في منزله ليلة أول من أمس، واستكمل مشاوراته أمس في مكتبه بمجلس الوزراء، حيث فرضت القوات المسلحة السرية على دخول المرشحين. وعلم أن شرف ينوي اختيار نائبين له، وإنشاء وزارة جديدة للشباب والرياضة، وعودة وزارة الاستثمار، ليصل عدد الوزارات إلى 32 وزارة بدل 30 وزارة حالياً، ومن المفترض أن يؤدي الوزراء الجدد اليمين الدستورية الإثنين المقبل، ويحضرون أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد التعديل الوزاري الأربعاء. وأكدت مصادر مطلعة أن شرف أخّر إعلان التعديل 48 ساعة بسبب رفض العديد من الشخصيات تولي حقائب وزارية. سياسياً، بدا أن المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد والائتلافات الشبابية المنظمة للاعتصامات والداعية لتظاهرات «جمعة الإنقاذ»، يتبعان سياسة النفَس الطويل في مواجهة بعضهما لبعض، فمن جهة سعى العسكر إلى عزل الشباب الثائر عن النخب السياسية، وعلى ما يبدو أنه نجح في محاولاته، إذ خرجت شخصيات سياسية معروفة لتؤكد دعمها لوجود الجيش في الحكم، وهو الأمر الذي رد عليه الناطق باسم شباب «6 ابريل» الناشط محمد عادل، بالتأكيد أن القوى التقليدية باتت خارج المعادلة الآن، وأن ليس لها شأن في الاعتصام في ميدان التحرير على الإطلاق، داعياً المجلس العسكري إلى إنهاء الأزمة السياسية الحالية بالاستجابة لكل مطالب المعتصمين في ميدان التحرير. وجاء أيضاً موقف التيارات الإسلامية، التي أعلنت مقاطعتها لتظاهرات «جمعة الإنقاذ» لتعطي أرضية جديدة في مصلحة جنرالات الجيش، فيما حذر مراقبون من انقلاب شعبي على «الثورة». في المقابل يعتمد شباب الثورة على نجاحاتهم السابقة في حشد الناس في اتجاه الضغط على صناع القرار. وأوضح عادل، القيادي في «6 أبريل»، ل «الحياة» أن المعتصمين في ميدان التحرير باقون لانتزاع صلاحيات الحكومة وتشكيلها «بحيث تكون حكومة ثورة، لا سكرتارية المجلس العسكري»، وذلك من أجل إداره البلاد «بشكل حقيقي» ووضع القرارات في يد مجلس الوزراء «وبخاصة أنه لا توجد نية واضحة لدى المجلس العسكري لوضع صلاحيات لمجلس الوزراء والدكتور عصام شرف»، داعياً المجلس العسكري إلى «إعادة صياغة صلاحياته وصلاحيات مجلس الوزراء ومهماته في الإعلان الدستوري». من جانبه، أكد القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» الدكتور محمد البلتاجي، اتخاذ جماعته قراراً بمقاطعة تظاهرات اليوم، وعزا القرار إلى غياب الهدف من التظاهر، إذ «ليس الهدف من النزول إلى الشارع مجرد التظاهر... نحن لا نرى أهدافاً واضحة في تظاهرات الجمعة»، مؤكداً أن المجلس العسكري والحكومة بحاجة إلى وقت «حتى نرى كيفية آلية تنفيذ ما تطالب به القوى السياسية». وقال: «نتعامل مع شريك تعهد تنفيذ مطالب الثورة»، وأوضح البلتاجي ل «الحياة»، أن جلسات عدة عقدها جنرالات الجيش مع ممثلين عن القوى السياسية وتم فيها مناقشة مطالب القوى السياسية في تظاهرات الجمعة الماضية، وفي مقدمها التغييرات الحكومية والإسراع في محاكمة رموز النظام السابق، لافتاً إلى أن جنرالات الجيش وافقوا على غالبية تلك المطالب، على أن يُنفّذ بعضها بشكل فوري والبعض الآخر بشكل متدرج. وقال: «دعونا نترك لهم الفرصة لنرى آلية تنفيذ تلك الوعود، وبعدها نرى: هل سننزل إلى ميدان التحرير لتقديم الشكر إلى المجلس العسكري أم سنعود إلى التظاهر بهدف الضغط عليهم؟». وعلى النهج نفسه سار رئيس حزب الوسط المهندس أبو العلا ماضي، الذي انتقد «عودة الضبابية وغياب الرؤية في تحركات المعتصمين في ميدان التحرير». وكان «اتحاد شباب الثورة» دعا الشعب المصري بكل طوائفه إلى المشاركة في «جمعة الإنذار الأخير» والتظاهر في ميدان التحرير وكل ميادين مصر في المحافظات مع استمرار الاعتصام، موضحاً أن هذه التظاهرات تهدف إلى توجيه «إنذار أخير» للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد «عدم تنفيذ وعوده» التي قدمها للشعب. وأشار في بيان له أمس، إلى أن تظاهرات الجمعة تأتي أيضاً للرد على خطاب المجلس العسكري الذي هدد فيه الثوار والمعتصمين، وللحفاظ على الثورة من محاولات الالتفاف عليها وعلى مطالبها، وأكد رفضه «أيَّ محاولات لتشويه صورة الثورة السلمية البيضاء والثوار الموجودين الآن في ميدان التحرير للحفاظ على الثورة ومحاولة الوقيعة بين أفراد الشعب». كما رفض البيان ما اسماه «محاولات ترقيع وزارة شرف»، وطالب باستقالتها بالكامل، لأن عدداًَ من أفرادها من الحزب الوطني المنحلّ، وأيضاً ل «سوء اختيارها» من قبل شرف، و «اختياره السيء» للمحافظين، الذي ينتمي عدد كبير منهم إلى الحزب الوطني المنحل. موقعة الجمل على صعيد آخر، كشفت قائمة أدلة الثبوت وأقوال الشهود، التي أعدتها هيئة التحقيق القضائية المنتدَبة من وزير العدل، في شأن وقائع الاعتداء على المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير في شباط (فبراير) الماضي، في ما سمي ب «موقعة الجمل»، أن صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى، وبوصفه أميناً عاماً للحزب الوطني (المنحل)، هو العقل المدبر لفكرة المسيرات والتجمعات المنظَّمة المؤيدة للرئيس السابق حسني مبارك، والتي ضمت مجموعات من البلطجية قاموا بالاعتداء على المتظاهرين، وذلك من خلال تواصله هاتفياً مع أعضاء مجلسي الشعب والشورى من أعضاء الحزب الوطني والموالين له، وتحريضهم على فض التظاهرات المناوئة لمبارك بالقوة والعنف في ميدان التحرير، وإن اضطروا إلى قتل المتظاهرين وتصفيتهم. وتبين لهيئة التحقيق برئاسة المستشار محمود السبروت والمستشار حامد راشد، أن تلك الاتصالات انطوت على تكليفات واضحة ومباشرة من الشريف لقيادات الحزب الوطني وكوادره، بحشد التظاهرات المضادة للموجودين بميدان التحرير والاعتداء عليهم، على أن يتم تنظيم الصفوف والتوجه إلى هناك من خلال ميداني مصطفى محمود وعبدالمنعم رياض ومنطقة ماسبيرو، حيث بدأت الحشود في التوافد يقودها أعضاء البرلمان من الحزب الوطني والموالين له، بل إن بعضهم اعتلى بنفسه الجمال والجياد والعربات التي تجرها الخيول (عبدالناصر الجابري عضو مجلس الشعب عن الهرم والعمرانية ويوسف خطاب عضو الشورى عن قسم الجيزة) حيث قاموا بحض التجمعات المتأهبة للهجوم على المتظاهرين. وتضمنت قائمة أدلة الثبوت الواقعة في 55 صفحة، أقوال 87 شاهد إثبات، ما بين صحافيين ومحامين وأطباء ورجال أعمال وموظفين وأعضاء في الحزب الوطني وخيالة في منطقة نزلة السمان، وجاء فيها أن تجمعات البلطجية والخارجين عن القانون التي قامت بالاعتداء على المتظاهرين، تمَّ حشدُها بصورة ممنهجة في ضوء تكليفات مباشرة من قيادات الحزب الوطني لجميع كوادر الحزب في كل الجهات وبقية قطاعات الدولة. وأضاف الشهود أن الخطة حملت تكليفاً محدداً بضرورة إخلاء ميدان التحرير بأي سبيل ممكن، تحت ستار أن الموجودين يضرون بمصلحة مصر العليا ويريدون الخراب للبلاد وانهم (أي المتظاهرون في التحرير) يتلقون تعليمات من جهات خارجية بغية تنفيذ مخطط خارجي للإضرار بمصلحة مصر، وهو ما ترتب عليه الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة النارية الآلية والبيضاء وكسر الرخام وزجاجات المولوتوف الحارق والسيوف والسياط والجنازير ضد المتظاهرين في التحرير. وأكد الشهود أنهم تمكنوا من رؤية القيادي البارز في الحزب الوطني الدكتور إبراهيم كامل وسط تجمعات «تبدو عليها الشراسة والعنف» وهو يحرضهم ضد المتظاهرين في التحرير. وأضاف الشهود أن بعضهم تلقى اتصالات هاتفية من معارف لهم في الحزب الوطني تخبرهم بوجود عملية حشد ضخمة تجري على قدم وساق بغية اقتحام ميدان التحرير على نحو يثير الصدمة والترويع والذعر بين المتظاهرين، مشيرين إلى أنه عقب تلك المكالمات الهاتفية بساعة واحدة بدأ الهجوم ضد المتظاهرين السلميين. وقال الشهود إنهم لدى مقاومتهم صفوف البلطجية المندفعة نحوهم، تمكنوا من إلقاء القبض على بعضهم، حيث تبين بفحص هويتهم انهم من أفراد الشرطة والبلطجية بالدوائر الانتخابية لأعضاء الحزب الوطني ممن يستعان بهم خلال فترة الانتخابات البرلمانية، وانه بمناقشة المقبوض عليهم أفصحوا عن أنهم تم استئجارهم بمعرفة الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب ورجل الأعمال محمد أبو العينين وعبد الناصر الجابري ورجب هلال حميدة وطلعت القواس ومحمد عودة وأحمد شيحة وعلي رضوان أعضاء مجلس الشعب. وأشار الشهود (ومن بينهم أعضاء في الحزب الوطني نفسه) إلى أن كلاًّ من رجلي الأعمال إبراهيم كامل ومحمد أبو العينين قاما بتمويل عمليات الاعتداء في حق المتظاهرين بتعليمات من صفوت الشريف، حيث تضمن ذلك سداد قيمة الخيول والجمال القادمة من نزلة السمان لأصحابها نقداً، خشية فقدانها أثناء الاعتداءات. وأشار عدد من الشهود إلى أنهم شاهدوا ضابطي الشرطة المتهمين في القضية حسام حنفي (رئيس مباحث قسم السلام ثان) وهاني عبدالرؤوف (رئيس مباحث المرج) وهم يحشدون المسجلين والبلطجية للتوجه إلى ميدان التحرير، وأصدرا تعليماتهما لهم بالاعتداء على المتظاهرين، وقد أصيب الضابطان المذكوران في تلك الاعتداءات.