أقدم هذه الكلمات لعلها تكون عبرة وعظة للجميع، وأناشد عبرها الأبناء جميع الأبناء «ذكوراً وإناثاً» أن اطيعوا والديكم فإن عدم الطاعة من الكبائر التي نهانا الله سبحانه عنها، ولا تنسوا أبداً أن الدائرة دائرة لا محالة على البادئ، وسيتلقى العاق الطعنة التي وجهها ذات يوم لوالديه في صغره عند كبره من أولاده. كانت خطاي متعثرة، وقدماي لا تستطيعان حملي، فجأة شعرت وكأني لا أقوى على الحراك، شعرت بأنني حينها فقدت كل شيء يمت للإحساس بصلة، أصبحت جامدة متصلبة تماماً كلوح من الثلج لما ألم بي، لقد ضاعت العبارات مني، وغابت المعاني والحروف، كانت صدمة قوية وكأنها صاعقة، كدت أقع على الأرض مغشياً علي من أثرها الذي زلزلني من الأعماق، وليتني لم أكن على قيد الحياة حينها، صبي في مقتبل العمر بل ريعان الشباب، وقد أنعم الله عليه بلياقة وقوة بدنية، طويل القامة، عريض المنكبين، يثير الرهبة في نفوس الآخرين، ولكنه عاق، نعم عاق بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لقد تمنيت له في لحظة، الهلاك، حين جاء بجبروته وعيناه تومضان بشر الشراسة والبغي، ثم اتجه، نحو والده طالباً منه المال بأسلوب ينم عن قلة حياء، كان جافاً وحاداً في طبعه، رافعاً صوته في طلبه، بل كان آمراً ولم يكن طالباً، لكن الوالد رفض أن يعطيه المال مجدداً لسوء أخلاقه وسلوكه، ولكن الابن يصر على الحصول على المال من أبيه ناعتاً إياه بالخرف والعجز ومهدداً إياه بالقول: إن لم تعطني النقود فساضطر إلى أن أتصرف معك بأسلوب آخر لن تحمد عقباه، وأمام إصرار الوالد على موقفه وإدراكه أن الابن تحت تأثير السموم التي يتعاطاها، ليفاجأ بانقضاض ابنه عليه بالضرب المبرح، بدأ بصفعة قوية على وجه ذلك المسكين المسن، من دون رادع لقد تحول إلى وحش شرس بفعل رفاق السوء وما جروه إليه ليصبح عبداً حقيقياً للمخدرات. لقد صعق الوالد المسن من تصرف ابنه العاق وبقي صامتاً مذهولاً ساكناً بلا حراك، وآخر ما تلفظ به قبل أن يلتقط أنفاسه، حيث لم يبرح الأرض وهو ملقى عليها: إياكم... إياكم من تلك السموم، فما هي إلا تلف للعقول، وهدر للمال ومعصية لله تعالى، ثم تلفظ بالشهادتين وأسلم الروح لبارئها، أما ذلك العاق فقد نال ما يستحق من عقاب له لما فعله بوالده، فعاقبه الله بعاهة مستديمة وفقد النطق، وأصبح مشلولاً أسير المقعد المتحرك جراء ما اقترفت يداه. فأيها الأصدقاء أناشدكم أن تحسنوا اختيار أصدقائكم، وإياكم من رفاق السوء فليس من وراء صحبتهم سوى ارتكاب المعاصي والندم والحسرة، يوم لا ينفع الندم.