ليس الفقهاء والدعاة فقط من تسابق إلى الدخول على خط سماح السلطات الرسمية بقيادة المرأة السيارة في السعودية، ولكن أيضاً وكالات السيارات ومعارضها، ما بين مغازلة للنساء بالعروض، وباحثة عن رسائل غير مباشرة تبعث بها إليهن من دون شعور، كما ركبت الموجة أيضاً وكالات دعاية وتسويق، وظفت جيداً التحول الجديد، في مثل ما فعل إعلان «بيبسي الجديد». لكن قبل أن يحين الموعد بأربعة أشهر، كانت «الحياة» هنالك مع النساء في عوالم السيارات، ألواناً وأصنافاً وسرعات، وأي باعة يفضلن التعامل معه أثناء البحث عن رفيقة المستقبل ذات الأربع. نشوة الانتصار والفرحة بالقرار، الذي فتح الباب للسيدات، ما إن انتهت حتى بدأ التهيب والتساؤل مع الأقربين «أتسوقين»؟ فيرتد الجواب حائراً. أو خجلاً، وقليلاً ما يكون حاسماً ب«نعم». وتواجه المرأة السعودية تحديات عدة تتخطى الحصول على رخصة قيادة السيارة، ما يجعلها «صيداً سهلاً» للباعة المتلاعبين ب«أسعار السيارات، وقطع الغيار، ومسمياتها ووظائفها». يسألن عن كل شيء! أوضح استشاري المبيعات في احدى شركات السيارات احسان عبدالوهاب ل«الحياة» أنه بعد صدور قرار السماح للمرأة بالقيادة صار ترددها على وكالة السيارات من الأمور الطبيعية جداً، بعد ان كانت في السابق تأتي لسداد قسط، أو لاختيار سيارة لا تمتاز بمواصفات عالية، لوجودها في يد سائق قد لا يقدر مواصفاتها، على عكس ما نشهده الان، أصبحت المرأة تسأل وتستفسر عن كل جوانب السيارة، الداخلية والخارجية، وعن مسميات قطع الغيار ووظيفتها، وكلفة تصليح القطع قبل كل ذلك». ويلاحظ أن «المرأة اكثر دقة في السؤال عن مواصفات السيارة من الرجل، وقد يكون السبب كونها جديدة في هذا المجال». وقال «مع النساء يجب على البائع ان يكون أكثر دقة في الحديث، واستعراض المواصفات، مع عرض أكثر من سيارة، بعكس الحديث مع الرجل، الذي يحضر إلى وكالة السيارات وقد حدد ما يريد من مواصفات وأسئلة، وقد يحيره اللون فقط، مع النساء الأمر مختلف، فعند سؤالي سيدة ترغب في شراء سيارة، هل ترغبين «الدفع رباعي»؟ تجهل معنى ذلك، وعلي إيضاحه، وسيدة أخرى اكتشفت أنها لا تعرف الفرق بين مسرّع عادي أو تلقائي. لا بد مع السيدات في البداية من محاضرة عامة عن السيارات التي تستهدفها». وعن ألوان السيارات قال مسؤول المبيعات محمد عبد الستار: «كان من المتوقع ان تسال النساء عن الألوان المعتادة لهن، الا اننا رأينا المرأة السعودية ترغب في الألوان الرسمية الغامقة، الأسود، الرمادي بدرجاته، الأزرق الغامق والعودي». واكتشفنا أن المرأة في بداية الأمر «يلفت انتباهها الشكل الخارجي، ومع استعراض المواصفات والمميزات من جانب منسق المبيعات تلتفت إلى الجوانب الجوهرية أكثر، ومن الأمور العجيبة ان المرأة السعودية تعرف مسميات السيارات الباهظة الثمن، في حين تجهل القليلة والمتوسطة، واية سيارة تتبع الوكالة الفلانية، وبعضهن يجهلن تخصص الوكالات في نوعية معينة، فحين تدخل أية وكالة تسأل: هل لديكم السيارة الفلانية؟ وهي تتبع وكالة أخرى، لنتولى عملية الايضاح والتوجيه»، ما يعني أنها ربما تبحث عن «مازدا» في وكالة «بورشيه»، أو تبحث عن الألماني في وكالات الصناعات الكورية. الشيطان في «الدلع» والتفاصيل! ولم تغفل المرأة السعودية جانب التفاصيل، التي تقبع تحت شياطين «الدلع» في مسميات السيارات والاكسسوارات وما إلى ذلك، فتختصر المسمى في ثلاثة أحرف، او تبحث عن معاني أسماء السيارات، وكان منها «التاج، تويج الزهرة، ثلاث جواهر، الجميلة، الفرس البيضاء» كما انطلقت القائدة الجديدة في مجالات البحث عن «اكسسورات السيارة، ومعطرات الجو، والسلاسل، والشاشات، والأضواء الداخلية، وحافظات التبريد، والاطقم الجلدية للمقاعد والمقود، وحامل الهاتف». وكما ترتدي النساء القلائد بحروفهن، سيكون ذلك أيضاً معلقاً على مرآة السيارة، ومازال الجواب مجهولاً عن سعي المرأة إلى أن تكون لوحة سيارتها تحمل حرفها الأول؟ وما إذا كانت ستدخل ضمن هوس لوحات السيارات المميزة. لكن لتعليم القيادة هم آخر، بعد أن جاء خبر السماح بالقيادة مفاجئاً، ذلك أن التعليم السابق من دون ممارسة قد يدفع إلى النسيان، وهكذا هي الحال مع سعوديات استخرجن رخص قيادة خليجية، ومع عدم ممارسة القيادة في شكل مستمر افتقدن الثقة بالقيادة الفعلية، ما أدى الى دخولهن ساحة التدريب مرة أخرى للتحقق من مدى اتقانهن مهارة كانت حكراً على الرجل تدريباً وتطبيقاً، بيد ان الامر مختلف في البادية، فلم يصب قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة سائقات البادية بالدهشة، بل كان أمراً عادياً، إذ كانت نواعم البادية سباقات إلى القيادة، ولهن باع طويل في دهاليزها، إذ اجبرتهن الظروف المعيشية والجغرافية على ممارستها، من دون ادنى استنكار من مجتمعاتهن الصغيرة. سر الفوبيا عند نساء البادية وكون سيدة البادية «راعية الأولى» كان لها أن «تتولى تدريب المستجدات على القيادة، من معلمات وموظفات مغتربات في قطاعات عدة ضمن القرى والهجر، وأكدت حنان السعيد، أنها لم يخطر ببالها ان تتعلم القيادة، على رغم حاجتها إليها حتى داخل الهجر، حتى صدور القرار، في الوقت الذي قد لا تجد فيه المرأة في المدن امرأة متمكنة تعلمها القيادة، «نحن الموظفات في القرى والهجر نجد ذلك امامنا متاحاً وفي بيئة مريحة لا تستنكر علينا ذلك، ولا تعاملنا بسخرية». وأشارت حنان الى النصيحة الأولى التي تلقتها من مدربات البادية «ابتعدي عن الخوف. القيادة تحتاج إلى قوة قلب، من تستشعر الخوف لا تمسك بمقود والا ستتسبب في الأذى لنفسها ولغيرها». وتشكل «فوبيا القيادة» الحاجز الأول امام الإقدام على الإمساك بالمقود، بين النساء والرجال، فهذا عبدالله العيسى لم يمسك بمقود الا بعد ان تجاوز ال25 عاماً، وأرجع السبب الى خوفه من الحوادث، «فإذا تعلمت القيادة الصحيحة والتزمت التعليمات فلا ضمان لمن هم في الشارع ان يكونوا بالالتزام نفسه، وكان لا بد لي من التعلم، وبخاصة حين فكرت في الزواج وتعرضت للرفض كثيراً لعدم قيادتي السيارة، وحين جاء رد احدى الاسر «تتزوج ابنتنا كي تكون حبيسة المنزل» مشدداً على أن التعليم في الصغر «سيكون له الأثر الأكبر في تسهيل المهمة، بخلاف الكبر، وهذا ما سيحدث مع المتعلمات الكبيرات، بعكس صغيرات السن». نضال ثم تهيب! هبة العبدالله اكتسبت الخوف من والدها، الذي توفي قبل 10سنوات، «لم يمسك بمقود سيارة طوال حياته، وكانت تخيفه مسألة القيادة في شكل عجيب، وكان يذهب مع أصدقائه إلى عمله، ولقضاء حاجات المنزل، والمستشفى، وغيرها كان يستوقف سيارات الأجرة، ومازلت أتذكر والدتي وهي تطالبه بالقيادة، ويؤكد عدم رغبته، مع خوف مبطن، وكلما تذكرت والدي اشعر بالخوف أيضاً من القيادة، واشعر بأنها تحتاج الى جرأة لمواجهة الشارع على اختلاف مرتاديه ممن يتقنون القيادة بفن واخلاق، والعكس من ذلك». وكانت القيادة السعودية أعلنت السماح للمرأة بقيادة السيارة في البلاد، وكلفت لجنة مشكلة من الجهات ذات العلاقة بسن الضوابط والقواعد المنظمة لذلك، في بلد كان يصنف بالأكثر محافظة بين بلدان الوطن العربي، لكنه خطا خطوات حثيثة نحو التحديث والعصرنة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية. ويستذكر المهتمون بهذا الملف، بعد إقراره، مطالبات قديمة، وما يسميه بعضهم تضحيات اجتماعية، دفعوا ثمنها غالياً عندما دعوا أو طالبوا بإنهاء الحظر على قيادة النساء عرباتهن في الحواضر، وكان بين أوائل من تصدوا لهذا الملف عضو مجلس الشورى السابق العنيد محمد آل زلفة، حتى غدا يعرف بالملف ويعرف الملف به، ثم بعد سنوات سارت على خطاه شابات سعوديات مثل منال الشريف ولجين الهذلول، وعضو الشورى لطيفة الشعلان، كن جميعهن حاولن تنزيل الدعوات السابقة إلى واقع عملي أو تشريعي في مثل حالة الشعلان. لكن المحاولة الأولى التي اعتبرت في سياق استفزازي حينها كانت في التسعينات الميلادية، من جانب سيدات سعوديات، اشتهرت من بينهن الأكاديمية الكاتبة عزيزة المانع. سعوديات استخرجن رخص قيادة خليجية، مع عدم ممارسة القيادة في شكل مستمر افتقدن الثقة بالقيادة الفعلية، بيد ان الامر مختلف في البادية، فلم يصب قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة نواعم البادية بالدهشة!. «مع النساء الأمر مختلف، فعند سؤالي سيدة ترغب في شراء سيارة، هل ترغبين «الدفع رباعي»؟ تجهل معنى ذلك، وعلي إيضاحه! من العجيب ان المرأة السعودية تعرف مسميات السيارات الباهظة الثمن فقط، في حين تجهل القليلة والمتوسطة، ولا تفرق بين الوكالات! «مع النساء يجب على البائع ان يكون أكثر دقة في الحديث، واستعراض المواصفات، مع عرض أكثر من سيارة، بعكس الحديث مع الرجل، الذي يحضر إلى وكالة السيارات وقد حدد ما يريد من مواصفات وأسئلة، وقد يحيره اللون فقط»