مع اقتراب شهر رمضان، بدأ العدّ التنازلي لدى ملايين من الأسر العربية التي تضم بين أفرادها مصابين بالسُكّري، استعداداً للتوفيق بين واجب الصيام ومعطيات مرض السُكّري. المعروف علمياً أن مريض السُكّري في أغلب الأحيان، يُنصح بالتأني قبل اتّخاذ قرار الصيام، نظراً لإمكان تعرّضه لمخاطر إثر الامتناع عن تناول المأكل والمشرب ساعات طويلة. ويزيد في الحذر، أن رمضان هذا العام يأتي في شهر آب (أغسطس) الذي ترتفع درجة حرارة الجو فيه، إضافة الى زيادة عدد ساعات الصيام. وقد تحول هذه العوامل دون صيام كثيرين من مرضى السُكّري. لكن، بين مرضى السُكّري من يستطيع الصيام، خصوصاً المصابين بالنوع الثاني من هذا المرض Type II Diabetes Mellitus (يُعرف أيضاً باسم «سُكّري البالغين» Maturity Onset DM) الذين يتناولون الاقراص لعلاج السُكّر. وحتى بالنسبة للنوع الأول من السُكّري الذي يُسمى أيضاً «السُكّري المعتمد على الأنسولين» Insulin Dependent DM، هناك شريحة من المصابين به تستطيع ممارسة الصيام. نصائح علمية حول صيام مرضى السُكّري، عُقد مؤتمر علمي أخيراً لاستعراض مجموعة من الحقائق العلمية والنصائح المهمة المتعلقة بالصيام، كي تكون بمثابة خطوط ارشادية لأسر مرضى السُكّري. من أهم ما خلص إليه المؤتمر هو القول ان استعداد مريض السكّري للصيام يجب أن يبدأ قبل شهر رمضان بوقت كافٍ، قد لا يقل عن شهر، إذ يتوجّب التوجّه إلى الطبيب المعالج ليحدد للمريض إمكان ممارسة الصوم أو الامتناع عنه، إضافة الى تحديد طريقة العلاج المناسب للسُكّري أثناء الصيام وضمنها جرعات العلاج والنظام الغذائي والبدني. ويجدر بالمريض أن يلتزم بهذه الأمور حتى لا يعرض نفسه، في حال السماح له بالصيام، للمخاطر. في هذا السياق، رأى الدكتور شريف حافظ أستاذ الأمراض الباطنية في كلية طب القصر العيني، أن هناك عدداً من المخاطر قد يتعرض لها مريض السكّري في الصيام، أهمها انخفاض نسبة السُكّر في الدم. وأشار إلى أن السُكّر هو بمثابة الوقود للجسم، وأنه يأتي من مصدرين، يتمثّل الأول في الغذاء، لما يحويه من سُكّريات ونشويات ودهون وبروتينات، مع ملاحظة أن معظم الغذاء يتحوّل داخل الجسم إلى سُكّر. يعمل المصدر الثاني كاحتياطي للمصدر الأول، إذ يتمثّل في مخزون السكّر في الكبد. وعند الصيام لما يزيد على 6 ساعات، يستنفد الجسم السُكّر، فيلجأ إلى المخزون الموجود بالكبد، فإذا كان الإنسان يعاني اضطراباً في وظائف الكبد أو يتناول بعض الأدوية التي تمنع الكبد من إفراز السُكّر من داخله، فإن هذا يؤدي إلى انخفاض السُكّر في الدم. المعروف أن هبوط مستوى السُكّر يؤدي إلى اضطراب في ضربات القلب، والإصابة بجلطة في القلب أو الدماغ. وأضاف حافظ أن مخاطر الصيام لمريض السُكّري لا تقتصر على انخفاض السكّر، بل تشمل حدوث ارتفاع كبير في مستوى السكّر، إذا أنهى المريض نهاره بأكل كميات كبيرة من الطعام، أو تناول الحلويات الموسمية التي تُقدّم في الشهر الكريم. لذا، نصح حافظ مريض السكّري بالتوجه إلى الطبيب قبل اتخاذ قرارٍ بصدد الصوم. ولفت إلى أن المُصابين بالنوع الأول من السكّري غالباً ما ينصحون بعدم الصوم، خصوصاً من يحتاج لحقن جرعات من الأنسولين. في المقابل، يستطيع مريض السكّري من النوع الثاني ممارسة الصيام، شريطة أن يكون مُحافظاً على مستوى السكّر ضمن الحدود الطبيعية، وألاّ يعاني من أمراض أخرى غير السكّري. في هذه الحال، قد يستفيد هذا المريض من الصيام لإنقاص الفائض في وزنه، خصوصاً إذا ابتعد عن المشروبات والأطعمة السكّرية التي يشتهر بها الشهر الكريم. الطبيب «يفصّل» نظام الصوم وأوضح رئيس قسم الأمراض الباطنية في كليّة طب القصر العيني الدكتور محمد خطاب في كلمته، أن القاعدة العلمية تقضي بألا يصوم مريض السكّري، كي لا يتعرض للجفاف ونقص السوائل في الجسم، ولخطر انخفاض مستوى السكّر في الدم ولو لفترة قصيرة، لأن ذلك يؤثر في كفاءة عمل القلب والمخ. وأكّد خطاب أن انخفاض السكّر قد يكون أشد خطراً من ارتفاعه. وقال: «ربما يُسمح لمريض السكّري بالصيام، على سبيل الاستثناء، لأن السماح ينطبق على المريض الذي يتناول الأقراص. لنلاحظ أيضاً أن هناك أدوية حديثة لعلاج مرض السكّر من النوع الثاني تتميز بوجود ما يُشبه الفرامل داخلها، بمعنى أنها تتوقف عن العمل عند انخفاض مستوى السكّر ووصوله إلى المعدلات الطبيعية. وإذا حدثت زيادة في مستوى السكّر، فإنها تبدأ في العمل لخفضه إلى المستوى الطبيعي. ويعني ذلك أن لا خوف عند استعمال هذه الأدوية من تعرّض المريض لهبوط السكّر. وكذلك يستطيع أن يصوم مريض السكّري الذي يأخذ جرعة وحيدة من الأنسولين المديد المفعول، أما المريض الذي يأخذ جرعات متعددة من الانسولين، فلا ينصح بصومه». وشدّد خطاب على كون كل مريض بالسكّري حالاً مستقلّة بحدّ ذاتها، «ولا يصح التعميم حتى لو تشابه المرضى من حيث السن ونوعيه العلاج». وأوضح أن التكيّف مع السكّري وعلاجاته، يتفاوت بين مريض وآخر. وشبّه طبيب السكّري بصانع الثياب، إذ إنه «يُفصّل» العلاج على قدّ حال المريض، كي يتمكّن الأخير من الصيام إذا سمحت معطياته بذلك. ونبّه خطاب إلى ضرورة أن يلتزم المُصاب بالسكّري عند الصيام بالتوجيه النبوي، في التبكير بالفطور وتأخير السحور، إضافة إلى الإكثار من تناول السوائل. وقال: «إذا تعرض المريض المسموح له بالصيام لأعراض، مثل الدوخة أو عدم التركيز أو العرق أو الرعشة أو التوتر أو اضطراب السلوك أو زيادة ضربات القلب، فعليه بالإفطار بصورة فورية، لأن هذه الأعراض تدفع للشك بحدوث انخفاض في السكّر». وطرح أستاذ السكّري في كليّة طب الإسكندرية الدكتور خليفة عبدالله، سؤالاً عن مدى مأمونية الصيام لمريض السكّري، وأجاب على السؤال بالإشارة إلى أن مرضى السكّري هم مجموعات مختلفة، مُلاحظاً أنه يسمح بالصيام لمن يكون السكّر منضبطاً عنده. وقال: «عند مريض السكّري من النوع الثاني، تفرز غُدّة البنكرياس الإنسولين بمقادير قليلة لا تكفي لحاجات الجسم، علماً بأن حاجة مريض السكّري للانسولين تفوق حاجة الشخص السليم. وفي العادة، تعمل أدوية علاج السكّري من النوع الثاني على تحفيز غُدّة البنكرياس كي تُفرز مزيداً من الانسولين، كما يعمل بعضها على جعل الجسم أكثر استجابة لما لديه من الإنسولين. وثمة أدوية تؤدي هذين الغرضين معاً. لقد ساعد الطب الحديث مرضى السكّري على الصيام بأمان عبر أدوية حديثة تُسمى «الأقراص الذكيّة» (اسمها علمياً «سيتاجليتن»). تؤخذ هذه الأقراص مرّة يومياً، لكنها لا تُعرّض المريض لإمكان حدوث انخفاض في مستوى السكّر في دمه». ورأى أستاذ السكّري والغدد الصم في كليّة طب عين شمس الدكتور صلاح شلباية، أن هناك فئات من مرضى السكّري يجب أن تمنع عن الصيام، وهم الأطفال والحوامل، مؤكّداً أن صيام هؤلاء يحمل خطورة كبرى عليهم. وقال شلباية: «هناك مرضى يصومون من دون الرجوع إلى الطبيب، على رغم علمهم بخطورة ذلك على صحتهم. أنصح هؤلاء بتذكّر وجود فتاوى كثيرة تؤكد أهمية الالتزام برأي الطبيب لتحديد إمكان الصوم. ولا يُعتبر امتناع المريض عن الصوم مخالفة شرعية، بل إن الصوم مع حدوث ضرر يعبّر عن عدم الالتزام بما هو شرعي».