اشتعلت أمس حرب تصريحات بين موسكووواشنطن غداة جلسة عاصفة في مجلس الأمن سقطت فيها ثلاثة مشاريع قرارات حول «الكيماوي» في سورية، عمقت الانقسامات الدولية ما عزز احتمال ضربة غربية وشيكة رداً على استخدام النظام السلاح الكيماوي في دوما. ووسط أنباء عن إفرغ النظام السوري والميليشيات الإيرانية بعض مواقعها، اتهمت الخارجية السورية واشنطن باتخاذ «ذريعة الكيماوي» التي وصفتها ب «الواهية» لاستهداف سورية، وحذرت من أن «التصعيد الأميركي الأرعن» يشكل تهديداً للأمن والسلم العالميين. وتحدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدرات العسكرية الروسية المتمركزة في سورية، بعدما بدا حازماً أمره لتنفيذ الضربة العسكرية من دون الالتفات إلى أي تبعات، وقال في تغريدة على «تويتر» إن «روسيا تتعهد بإسقاط أي صاروخ يطلق على سورية. استعدي يا روسيا لأن الصواريخ قادمة.. لطيفة وجديدة وذكية! يجب ألا تكونوا شركاء لحيوان القتل بالغاز الذي يقتل شعبه ويستمتع بذلك». لكن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) رفضت التعليق على تغريدة ترامب، وقال الناطق باسمها إيريك باهون، إن «وزارة الدفاع لا تعلق على عملياتها العسكرية المحتملة التي يمكن تنفيذها في المستقبل، وعليكم التوجه إلى البيت الأبيض لتلقي توضيحات حول تغريدة الرئيس». وما هي إلا دقائق حتى ردت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على تغريدة ترامب في صفحتها على فايسبوك قائله: «الصواريخ الذكية يجب أن تستهدف الإرهابيين، وليس الحكومة الشرعية التي تتصدى منذ سنوات عدة للإرهاب الدولي على أراضيها». وزادت متهكمة «بالمناسبة هل تم إخبار مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية من أن الصواريخ الذكية سوف تدمر كل أدلة استخدام السلاح الكيماوي على الأرض؟ أم أن المطلوب هو مسح أدلة الأعمال الاستفزازية بضربات بواسطة صواريخ ذكية، وأن لا تبقى أي أدلة يبحث عنه المفتشون الدوليون؟». ومع إقراره بأن الوضع العالمي يبعث على القلق وينحى إلى الفوضى، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعرب عن أمل بلاده بأن «يغلب المنطق السليم في الأمور الدولية، وأن تعود العلاقات الدولية إلى طبيعتها»، مؤكداً أن موسكو «مستعدة لبناء علاقات مع بلدان العالم على أساس القانون الدولي». ونقلت وكالة نوفوستي عن مصدر في الخارجية الروسية تحذيره من أن «خطر نشوب مواجهة بين روسياوالولاياتالمتحدة قائم». وأوضح المصدر أن «هناك احتمالاً كبيراً لنشوب مواجهة بين روسياوالولاياتالمتحدة في سورية، وهذا الاحتمال أكبر حالياً مما كان عليه الوضع قبل 7 نيسان (أبريل) «. واستدرك المصدر بالاستناد إلى ما قاله قائد الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف أخيراً والذي لوّح فيه بالرد في حال تعرضت حياة الروس للخطر. وحذر النائب الأول لرئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي السيناتور يفغيني سيريبرينكوف، من استهداف العسكريين الروس في قاعدتي طرطوس وحميميم «المؤمّنتين بحماية شديدة»، وقال: «نراهن على ألا تتعرض حياة العسكريين الروس للخطر في حال حصول ضربة». في حين حضت أنقرة، موسكووواشنطن على الكف عن «مشاجرات الشوارع» حول سورية. وكان السفير الروسي لدى لبنان أكسندر زاسيبكين حذر من أن القوات الروسية سوف تسقط أي صواريخ أميركية تطلق على سورية وسوف تستهدف منصات إطلاقها. لكن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف دعا إلى عدم الاستناد إلى إشاعات وتقارير إعلامية غير مؤكدة في في موضوع الضربة الأميركية المحتملة، لافتاً إلى أن «هذا الموضوع حساس للغاية، ولا يمكن إصدار أحكام فيه لا تعتمد على حقائق». وأشار بيسكوف إلى وجود خلافات عميقة بين موسكووواشنطن بهذا وأن «الطرف الروسي يعارض بشدة التصريحات الأميركية حول الجرائم البشعة للسلطات السورية والتي لا تستند إلى حقائق، ويؤيد التحقيق المستقل والمفصل في الموضوع، بهدف الوصول إلى معلومات ذات صدقية»، معرباً عن أمله بأن «تتفادى جميع الأطراف الخطوات غير المبررة، التي من شأنها زعزعة الوضع الهش أصلاً في المنطقة». ميدانياً، سادت حالة من الترقب والذعر من أي ضربة متوقعة. وقال سكان في دمشق ومدن سورية عدة إن هناك طوابير على الأفران، وزياردة في الإقبال على المواد الغذائية، وتناقل السوريون رسائل نصية على هواتفهم ما قيل إنه بيانات عن «القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تهيب بالمواطنين اتخاذ كل الاحتياطات الضرورية عند حدوث الضربة الأميركية»، وتضمنت رسائل اطلعت عليها «الحياة» أن «الملاجئ العامة مجهزة جيداً وأنها سوف تفتح أبوابها»، وأنه على «غير الراغبين في النزول إلى الملاجئ تجهيز الطوابق السفلية بالمواد الغذائية ومعدات الإسعاف اللازمة»، وتوضح الرسائل أن «صافرات الإنذار سوف تطلق عند التأكد من الغارة الأميركية الغاشمة». ونقلت مصادر صحافية أن النظام واصل نقل تقنيات وطائرات عسكرية إلى قاعدة حميميم في اليومين الماضيين تجنباً لتدميرها في الضربة الأميركية. وقال معارضون إن النظام أفرغ طائراته في مطاري «سين» و «تيفور» ونقلها إلى مطار النيرب قرب حلب. وقالت وكالة «انترفاكس» إن الأسطول الروسي أخطر هيئة الطيران المدني العالمية بأنه سوف يبدأ مناورات أمس واليوم في المياه الدولية مقابل كامل الشواطئ السورية، وإن المنطقة تعد مغلقة أمام الملاحة الجوية خوفاً من تعرضها للخطر نتيجة تدريبات باستخدام الذخيرة الحية. وتملك روسيا نحو 15 قطعة بحرية عسكرية في روسيا، منها الفرقاطة «أدميرال غريغوريتش» و «إيسن» وكذلك غواصات قادرة على إطلاق صواريخ كاليبر، وتحتفظ بصواريخ « إس 400» و «إس 300» في قاعدة حميميم إضافة إلى طائرات ومقاتلات عسكرية. ويأتي التحذير الروسي وسط أنباء عن اقتراب المدمرة الأميركية «دونالد كوك» إلى مسافة نحو 100 كم من قاعدة «طرطوس» البحرية التابعة للأسطول الروسي، وأنباء عن انضمام حاملة الطائرات «هاري تروتمان»، التي تضم 90 طائرة منها 50 مقاتلة، في 16 من الشهر الحالي وفق صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى قطع البحرية الأميركية في المتوسط، وجاهزية القواعد البريطانية في قبرص للمشاركة في الضربة المحتملة. ومع تصاعد التوتر، وتحسباً من أي حوادث قد تتعرض لها رحلات الطيران المدني، أعلنت شركات عربية وعالمية تغيير مساراتها وتجنب المجال الجوي السوري، والمناطق البحرية المشرفة عليها، وعلق بعض الشركات الرحلات إلى بيروت وتل أبيب. وفي وقت سابق حذرت المنظمة الأوروبية للسلامة الجوية «يوروكونترول» شركات الطيران من ضربة جوية على سورية في غضون 72 ساعة. كما حضت الوكالة الفيديرالية الروسية للطيران المدني، شركات الطيران الروسية، على توخي أعلى درجات الحذر أثناء الرحلات في أجواء شرق المتوسط. صواريخ أميركية في مواجهة دفاعات روسية بدا أن الضربة الأميركية المتوقعة على سورية، ستشكل اختباراً على قوة وقدرات السلاحين الروسي والأميركي حال حصول اشتباك. فبعدما تقاسم الجانبان مناطق النفوذ على الأراضي السورية، فالولاياتالمتحدة وحلفائها الأكراد يسيطرون على الشمال السوري الغني بالنفط، فيما الروس بات لهم الكلمة العليا على الموانئ البحرية، بالإضافة إلى الهيمنة ومعها النظام والإيرانيون على القلب السوري خصوصاً العاصمة دمشق. وتتمركز قاعدتين عسكريتين أميركيتين في منبج والرقة ضمن وجود التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، لكن التوقعات تشير إلى أن الولاياتالمتحدة ستستخدم بوارجها في البحر المتوسط لتوجيه ضربات صاروخية بعيدة المدى. وتتواجد الفرقاطة الأميركية دونالد كوك المزودة ب60 صاروخاً مجنحاً من نوع توماهوك في المتوسط، بالإضافة إلى الفرقاطة بورتير المفترض وصولها إلى خلال ساعات، فيما يرجح أن تستخدم فرنسا إذا دخلت على الخط الفرقاطة آكيتن في المتوسط وطائرات الرافال. أما الوجود العسكري الروسي فيتركز في قاعدة حميميم الجوية التي ينتشر فيها قاذفات من أنوع: سوخوي-24 وسوخوي-34، وسوخوي-30، وسوخوي-35، وقاذفات من نوع توبوليف-22 وتوبوليف -160، إضافة إلى صواريخ عابرة يصل مداها إلى 4500 كلم. كما نصبت روسيا صواريخ مضادة للطائرات من نوع أس-400 لحماية القاعدة وبطاريات مضادة للطائرات من نوع بانتسير وتور ام-1. وفي مرفأ طرطوس التي تحول إلى قاعدة بحرية روسية دائمة، نصبت بطاريات مضادة للطائرات من نوع أس-300».