يضع بعض الذين يطلّون على شاشة التلفزيون على وجوههم قناعاً خاصّاً يجعلهم يبدون غاية في اللياقة أو الظُرف أو الثقافة، مع أنهم بعيدون عنها في حياتهم العادية، ولكن هذه ليست حال الإعلامي ريكاردو كرم الذي يتصرّف في حياته اليومية باللياقة نفسها التي يظهر بها أمام عدسة الكاميرا. قبل أسابيع قليلة كان عرض الحلقة الأولى من برنامج ريكاردو كرم الجديد «حديث آخر» ولكن هذه المرّة على شاشة «أل بي سي» الفضائية بعدما أطل لنحو ثلاث سنوات عبر شاشة «المستقبل» في برنامج «وراء الوجوه». فهل يمكن القول إنّه انتقل إلى محطة «أل بي سي»؟ يوضح كرم: «أنا أملك شركةً خاصّة لي أسستها عام 2002، وأنتجت عبرها كلّ البرامج التي قدّمتُها مذّاك، منها برنامج «وراء الوجوه» الذي بيع الى محطة «المستقبل»، ومجموعة من الأفلام الوثائقية التي عُرِضَت على عدّة شاشات مثل ال «أل بي سي»، «المستقبل»، «العربية»، و ال «أم بي سي»، والآن أنتج «حديث آخر» الذي شاءت الظروف أنّه يُعرَض على شاشة ال «أل بي سي» التي أفتخر أنّ أطلّ عبرها، ولكن لا أعتقد أنّني عالق في أذهان الناس بأنني أنتمي لمحطة معينة أو لجهة محددة». ويجيب كرم على سؤال حول معنى عبارة «شاءت الظروف» فيقول إنّ الظروف ليست مثل الريح التي تأخذ المرء حيث تشاء، «قدرنا في يدنا ونحن نخلق الظروف ونحدد مصيرنا». نوع آخر بماذا يختلف «حديث آخر» عن البرامج الأخرى التي قدّمها ريكاردو كرم؟ يقول: «إنّه حديث من نوع آخر لا يشبه الأحاديث الأخرى». ويوافق على أنّ كلامه يصحّ فقط إنّ كانت الأحاديث الأخرى لمقدمين سواه، ولكن إذا أردنا المقارنة بين أحاديثه في برامجه السابقة وبرنامجه الحالي سنجد تشابهاً واضحاً. ويؤكّد كرم «لا بد من أن يجدني المشاهد في كلّ برامجي، لأن كل برنامج قدّمته وأقدّمه وسأقدّمه سأكون حاضراً فيه، ولا أعتقد أنّ شخصيتي ستتغيّر بعد 18سنة من العمل في هذا المجال. فأنا مجموع تراكمات كل التجارب التي مررت بها، وشخصيتي اليوم هي حصيلة كل تلك الأعوام». في «حديث آخر» يحرص كرم على إيصال فكرة «أيّها المشاهد، يمكنك أنت أيضاً الوصول إلى حلمك كما فعل هؤلاء الضيوف»، ويختار شخصيات عربية ناجحة بدأ معظمها من الصفر، ويبحث عن قصص يستوحي منها المشاهد وتؤثّر فيه إيجاباً فتشحنه بالطاقة وتعطيه دفعاً لينطلق بعزمٍ الى الأمام. «حديث آخر» هو تكملة لبرامجه السابقة، يعلن ريكاردو، ولكن مع فارق أن الشخصيات التي يستضيفها حالياً ليست من فئة النجوم المعروفين كما كان الحال في السابق حين كان يحاور رؤساء الدول والملوك والأمراء والمشاهير. إلى أي مدى يمكن القول إنّ ريكاردو كرم اختار محاورة المشاهير والشخصيات المهمّة التي لا تظهر كثيراً في برامج أخرى تجنّباً لفتح باب المقارنة بينه وبين مقدّمين آخرين؟ يجيب: «أنا لم أسعَ يوماً أن أختار الخط الذي سلكته خوفاً من مقارنتي بالآخرين، أنا حاولت أن أتميّز وأن أتمايز عبر تقديم معلومات جديدة للمشاهد»، ويضيف «أنا أرفض أن تكون برامجي نسخة طبق الأصل عن مجلة فنية أو اجتماعية أو عن صحيفة سياسية أو عن برنامج إذاعي، لذلك ولد بيني وبين الجمهور علاقة ثقة، فاحترم برنامجي واحترمني بالتالي، لا يمكنني أن أفرّط بحصاد كلّ مواسم عملي من أجل أن أكسب جماهيرية أكبر». النقد الذي يوجَّه إلى ريكاردو يتعامل هو معه بكل رحابة صدر ويأخذ به إن كان صادراً عن مرجع مختص وبطريقة موضوعية وبنّاءة، «أنا لست شخصاً عنيداً، قد أكون متشبّصاً ولكنّني لست عنيداً»، وعن الفارق بين هاتين الصفتين يقول: «أنا متشبّص بقناعاتي ولكّنني لستُ عنيداً في ما يتعلّق بتطوير نفسي، فأنا لا أدّعي أنني وصلت إلى القمة في عملي، وما زلت أعمل على سد الثغرات كلّ يوم». ما أبرز ما تعلّمه ريكاردو من الشخصيات العديدة التي قابلها؟ يقول «إنّ أبرز ما تعلّمته هو أن النجاح نسبيّ ومقاييس النجاح نسبية أيضاً، بحيث تختلف بين شخص وآخر، ففي الماضي كنت أرى أنّ النجاح هو في تحقيق ثروات ضخمة، ثمّ بدأت أظنّ أن النجاح هو إقامة حفلةٍ يكون ضيوفها أصحاب الوجوه المعروفة، بعدها اعتقدت أنّ النجاح هو أن تقابل شخصية معروفة... ولكن كلّ تلك الظنون سقطت واختفت اليوم». ما هو النجاح إذاً؟ «النجاح هو أن تكون متصالحاً مع نفسك وفخوراً بها». وعن سؤال ما إذا كان يعتبر نفسه ناجحاً يقول ريكاردر كرم بثقة: «أكيد! أنا لم أحقق ثروات طائلة مع العلم أنّه أُتيحت لي الفرص لذلك، ولكنّني فضّلت أن أحافظ على ضميرٍ مرتاح محاطاً بأصدقاء وأشخاص أحبّهم وأستفيد من كلامهم وخبراتهم ونصائحهم. فضّلت أن أفرح حتّى بأصغر وردة أراها أو بمقطوعة موسيقية أسمعها... أنا لا أتكلّم بمثالية، وأعترف أنّني لم أكن هكذا حين كنت أصغر سنّاً، ولكن أنا مقتنع اليوم بكل لحظةٍ أعيشها». بعض الناس يطمحون لمقابلة أحد المشاهير وجهاً لوجه وحين يفعلون يعودون خائبي الأمل، فهل اكتشف كرم أنّ الشهرة هي مجرّد صورة مضخّمة عن شخص عادي؟ يقول: «في داخل كلّ منّا حماسة الطفل للقاء شخصٍ نكوّن عنه صورة معينة، وقد يأتي الانطباع المكوَّن مطابقاً للصورة الحقيقية عند ذلك الشخص، ولكن في النهاية تكتشف أن كل الناس يتشابهون فتفقد الشوق للقاء المشاهير بصفتهم مشاهير». إذا ظهر اليوم ريكاردو كرم شاب فهل سيبحث عن ريكاردو كرم الحالي ليجري معه مقابلة؟ بعد تفكيرٍ دقيق يجيب كرم والابتسامة ترتسم على وجهه: «أعتقد أنّه سيفعل، وأعتقد أنّني سأقبل إن وجدت فيه الحماسة والجرأة والمثابرة التي كنت أملكها». إعتاد ريكاردو أن يسأل ضيوفه في نهاية كل حلقة: «ما الفكرة التي تعتقد أن المشاهدين كوّنوها عنك؟»، يقول: «لا أعرف بالضبط، ولكن أتمنى أن يقول كل ضيف: كان خياري صائباً حين حللتُ ضيفاً، لقد اخترت الشخص الأفضل لمحاورتي ولمشاركتي في كل التجارب التي مررت بها».