سعت مدينة دوما السورية أمس، إلى لملمة جراحها، غداة مجزرة راح ضحيتها مئة من سكانها بينهم عائلات بأكملها، في هجمات بالغاز السام اتهمت المعارضة، قوات النظام بتنفيذها، الأمر الذي نفاه الأخير وحليفته روسيا، في وقت كانت تجرى في الكواليس مفاوضات بين ممثلي النظام والروس من جانب، و «جيش الإسلام» من جانب آخر، قبل أن يعلن النظام من جانب واحد التوصل إلى اتفاق، بدت صيغته هي نفسها التي كان اعلن التوصل اليه الاسبوع الماضي والذي تعثر تنفيذه. اذ يتضمن السماح بخروج مقاتلي «جيش الإسلام» من المدينة بعد تسليم سلاحهم الثقيل وإطلاق سراح الموقوفين. وكان «المرصد السوري لحقوق الانسان» أفاد بأن عدد ضحايا قصف قوات النظام على دوما يومي الجمعة والسبت، وصل إلى نحو مئة، بينهم عائلات بأكملها، وأن معظمهم توفوا اختناقاً. وفيما رجح مدير «المرصد» رامي عبدالرحمن أن «إصابات الاختناق ناتجة عن كثافة الدخان بعد القصف نتيجة تواجد المدنيين في غرف مغلقة»، اتهمت منظمة الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل) و «جيش الإسلام» و «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» قوات النظام ب «شن هجوم كيميائي». وتحدثت «الخوذ البيضاء» والجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز) في بيان مشترك عن توارد «500 حالة» إلى النقاط الطبية. وأشارتا إلى أعراض «زلة تنفسية وزرقة مركزية وخروج زبد من الفم وانبعاث رائحة واخزة تشبه رائحة الكلور». وقال الطبيب محمد من دوما لوكالة «فرانس برس»: «استقبلنا أكثر من 70 إصابة اختناق، وليس لدينا سوى أربع مولدات اوكسيجين»، مضيفاً «الوضع مأسوي جداً جداً، أعمل في المستشفى منذ أربع سنين ولم يمر علي مثل هذه الساعات أبداً». وأفادت مصادر قريبة من المعارضة بأن قوات النظام شنت في بداية الهجمات «غارتين بغاز كلور تسببتا في 90 حالة اختناق، قبل أن تكرر القصف مستخدمةً غازاً غير معروف ليصل عدد الضحايا إلى أكثر من 75، إضافة إلى ألف حالة اختناق». وأشارت إلى ان الغاز «تسرب إلى الأقبية التي يختبئ فيها الناس، هرباً من القصف العنيف على المدينة، الأمر الذي زاد من عدد الضحايا، في ظل صعوبات للوصول إليهم». وقال نائب رئيس الجمعية الطبية السورية الأميركية المقيم في الولاياتالمتحدة باسل ترمانيني لرويترز إن «عدد قتلى الهجوم الكيماوي بلغ 35 شخصاً». وقال عبر الهاتف: «نتواصل مع الأممالمتحدة والحكومة الأميركية والحكومات الأوروبية». وانتشرت على نطاق واسع أمس، صور جثث الأطفال وعيونهم الحائرة بين الدماء والسماء، فيما أظهرت عشرات الفيديوات، مقاطع تبدو وكأنها من الأفلام حيث الدمار والدخان يغطي المكان. فور ورود التقارير عن احتمال هجوم كيمياوي في دوما، سارعت دمشق إلى النفي. ونقلت الوكالة السورية (سانا) عن مصدر رسمي قوله اتهامَ النظام السوري باستخدام تلك الأسلحة ب «فبركات ومسرحيات الكيماوي». كما نفت روسيا، حليفة دمشق الاتهامات. وقال رئيس المركز الروسي للمصالحة في قاعدة حميميم الجوية الجنرال يوري يفتوشينكو: «نحن مستعدون فور تحرير دوما من المسلحين إلى إرسال خبراء روس (...) لجمع المعلومات التي ستؤكد أن هذه الادعاءات مفبركة». وفي الاروقة تسارعت وتيرة التوصل إلى تسوية سياسية في المدينة، تضمن للنظام السيطرة على كل مدن الغوطة الشرقية، وأعلنت اللجنة المدنية في دوما المشاركة في المفاوضات مع الروس صباح أمس «وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات»، إلا أن ذلك لم يمنع قوات النظام من استهداف دوما بضربات جوية عدة، وفق «المرصد» السوري. قبل أن تنقل وكالة أنباء «سانا» التابعة للنظام عن مصدر رسمي إعلانه «التوصل إلى اتفاق يقضي بخروج كامل المختطفين من دوما مقابل خروج كامل إرهابيي جيش الإسلام إلى جرابلس خلال 48 ساعة». وأفاد الوكالة بعودة عشرات الحافلات إلى مدينة دوما عبر ممر مخيم الوافدين مع الإعلان عن الاتفاق. وأوضحت «سانا» أن «اتفاق دوما يقضي أيضاً، بتسوية أوضاع المتبقين وعودة كل مؤسسات الدولة إلى دوما وتسليم جميع المختطفين المدنيين والعسكريين إضافة إلى جثامين الشهداء وتسليم الإرهابيين أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة للدولة». وكانت روسيا أعلنت الأسبوع الماضي من جانب واحد عن اتفاق لإجلاء مقاتلي «جيش الإسلام» تم بموجبه خروج نحو ثلاثة آلاف مقاتل ومدني إلى شمال البلاد، قبل أن يتعثر مع محاولة الطرفين فرض المزيد من الشروط ووسط انقسام في صفوف الفصيل المعارض. وكانت «سانا» نقلت عن مصدر رسمي تأكيده أن «جيش الإسلام طلب التفاوض مع الحكومة وأي مفاوضات تجرى الآن هي مفاوضات مع الدولة السورية حصراً، بعد أن استجدى إرهابيو جيش الإسلام طوال ليل أمس وقف العمليات العسكرية». وأشارت إلى أن «الحكومة السورية اشترطت قبل استئناف التفاوض توقف المسلحين عن قصف العاصمة دمشق بالقذائف، ما أسفر عن مقتل 9 مدنيين على الأقل خلال اليومين الماضيين»، فيما أكدت وكالة روسيا اليوم، أن المفاوضات أجريت، تحت إشراف ضباط مركز المصالحة الروسي، عند نقطة التفتيش الأولى التابعة للجيش السوري (نقطة 95) بالقرب من معبر مخيم الوافدين. وأكدت وسائل إعلام سورية دخول وفد من مركز المصالحة الروسي عبر ممر الوافدين إلى مدينة دوما لإجراء مفاوضات مع وفد عن مسلحي «جيش الإسلام» على أن يكون الشرط الأول للتفاوض مع الدولة السورية هو الإفراج عن المخطوفين. ونقلت وكالة «رويترز» عن وسائل إعلام موالية للمعارضة تأكيدها أن المفاوضات جارية، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي.