رد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي على مداخلات 58 نائباً أدلوا بها في جلسة مناقشة بيان الحكومة الوزاري على مدى ثلاثة ايام، منتقداً «تعليقات ومواقف تجاوزت مبادئ المعارضة الواقعية والموضوعية، وحكمت على النيات، وانطلقت من تقديرات فيها الكثير من اللاواقعية واللامنطق، لتحمِّل حكومتنا أوزاراً ليست مسؤولة عنها، ولتحمِّلني شخصياً افتراءات بعيدة عن مبادئي». ولفت الى ان حكومته لا يمكنها «أن تشاطر رأي من ذهب إلى حد الإيحاء بأن حكومتنا مسؤولة عن كل ما عانته الدولة منذ اعوام، وما يشكو منه المواطنون من عقود، لا سيما في مجالات الخدمات والتقديمات الاجتماعية، وتجاهَلَ بعضُهم في كل ما قالوه، أنهم كانوا ممسكين بالسلطة على مدى أعوام»، لافتاً الى «ان ذلك لا يمكن ان يعني تهرباً من المسؤولية او انكفاء عن مواجهة التحديات والمصاعب على أنواعها». وأكد ميقاتي «ان حكومتنا لم تتغاض، كما قال بعضهم، عن الانقسام الحاد الذي يشهده بلدنا راهناً، بل أكدت انها ستعمل على التخفيف من حدته وصولاً الى زواله، معتبرة ان احتكامها الى الدستور والتزامها استكمال تنفيذ اتفاق الطائف تنفيذاً كاملاً، هو المدخل لإعادة الثقة والألفة والتضامن بين اللبنانيين، وفي ذلك ما يحصّن الوحدة الوطنية والعيش الواحد، ويوفر الحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم. وهذه المسؤولية ستتحملها الحكومة كاملةً، من خلال مؤسساتها الدستورية وأدائها السوي والإنماء المتوازن الذي يعزز الوفاق ويحميه». نزع السلاح من المدن ورأى ان الحكومة «لم تتجاهل موضوع السلاح، أو القلق الذي يُحدثه وجوده في المدن والأحياء السكنية، ومن هنا تأكيدها ان حفظ الامن مسؤولية حصرية للدولة بمؤسساتها الأمنية وسلاحها الشرعي، الذي لا شريك له في هذه المهمة الوطنية السامية، وبالتالي فإن مسألة نزع السلاح من المدن هي من أَوْلى اهتمامات الحكومة، التي ستباشر بعد نيل ثقة المجلس النيابي، في إجراء الاتصالات الضرورية وأخذ الخطوات المناسبة لسحب السلاح الثقيل والمتوسط من المدن والأحياء، في ظل اجواء وفاقية بعيداً عن التحديات والاستفزاز، وعلى نحو يمكّن القوى الامنية من القيام بمهامها كاملة، علماً ان موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات سيكون موضوع متابعة وتنفيذ من قبل حكومتنا». ولفت الى ان حديث عدد من النواب عن ظروف تشكيل الحكومة «جافى في بعض وقائعه الحقيقة، ذلك أن حكومتنا وُلدت من رحم الإرادة اللبنانية الصرف، وغياب فريق لبناني عن الحكومة كان، منذ الأساس، غياباً طوعياً». وردَّ ميقاتي على من تحدث عن «انقلاب» وعن «البلاغ رقم واحد» في «محاولة للإيحاء بأن حكومتنا اتت وفق قواعد غير دستورية، متجاهلاً أننا التزمناها، ورفضنا تكريس اعراف مغلوطة مورست في تشكيل الحكومات أخيراً». وعن مأخذ نواب على الحكومة تغييب دور الحوار الوطني في معالجة المواضيع الخلافية، قال: «العودة الى البيان الوزاري تظهر ان الحكومة ركزت في اكثر من فقرة على أهمية الإبقاء على الحوار الوطني، ودعت الى تنمية ثقافة الحوار بين اللبنانيين. أما الآلية التي ستُعتمد، ولا سيما وضع هيئة الحوار، فهو قرار يتخذه رئيس الجمهورية، الذي يرأس الهيئة، وله ان يحدد مسارها بشكل يراعي الحفاظ على المؤسسات الدستورية توقيتاً ومضموناً وتمثيلاً للافرقاء». لا مواجهة مع المجتمع الدولي وعن ان الحكومة شُكلت لمواجهة المجتمع الدولي، قال إن الامر «يدحضه الالتزام المكرَّر باحترام القرارات الدولية التي تعني لبنان، والتصميم على تفعيل الحضور اللبناني في الاممالمتحدة وفي مجلس الامن، والحرص على تعزيز العلاقات مع الدول الصديقة والتجمعات الدولية، ولا سيما منها الاتحاد الاوروبي والمؤسسات والهيئات الدولية. ولن تعتمد حكومتنا سياسةَ المواجهة مع المجتمع الدولي، بل عازمة على التعاون لمصلحة لبنان العليا». وعن إلقاء بعض النواب «ظلالاً من الشكوك عن توجهات الحكومة في مجال العلاقات اللبنانية – السورية والتحدث عن الانخراط في سياسة المحاور»، جدد تأكيد «أن حكومتنا التي تلتزم التضامن العربي بعيداً من سياسة المحاور، تنظر الى العلاقات مع الشقيقة سورية ضمن الاطار الذي حدده اتفاق الطائف، الذي نص على إقامة علاقات مميَّزة تحقق مصلحة البلدين في إطار سيادة واستقلال كل منهما. أما في شأن الاتفاقات الموقَّعة بين البلدين، فإن الحكومة ستتابع ما كانت بدأته الحكومات السابقة، لا سيما الأخيرة». وأعلن انه سيعقد اجتماعاً مع الوزير جان اوغاسبيان، الذي تولى رئاسة الجانب اللبناني في الاجتماعات الثنائية التي خصصت لدرس هذه الاتفاقات، «لإيداعنا الملفات، ومنها مسألة ترسيم الحدود بين البلدين وملف المفقودين والمعتقلين اللبنانيين». اما مستقبل العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، فأكد ميقاتي انه «اضافة الى ما ورد في البيان الوزاري في ما خص الحقوق الانسانية والاجتماعية للفلسطينيين، فإن الحكومة ستتخذ الإجراءات اللازمة لاعتراف لبنان بدولة فلسطين واستكمال تبادل التمثيل الديبلوماسي». التمثيل النسبي وعن الانتخابات النيابية المقبلة والكلام عن ان البيان الوزاري كان «عاماً»، أكد «ان إعداد قانون جديد للانتخابات سيكون من اولويات الحكومة، وخيار التمثيل النسبي هو أحد الخيارات الأساسية المطروحة للبحث». وشدد على اهتمام الحكومة «بأوضاع المغتربين وضرورة تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس شورى الدولة المتعلقة بالجنسية، وستشجع ابناء لبنان المنتشرين على تسجيل وقوعاتهم في السفارات والقنصليات والدوائر الرسمية». لا انتقام ولا كيدية وعن شكوك نيابية تجاه الاجراءات التي ستعتمدها الحكومة في اعادة بناء الادارة وملء الشواغر ومكافحة الفساد والرشاوى، جدَّد تأكيد حكومته «ان لا انتقام ولا كيدية، بل كفاءة وخبرة ونظافة كف ودور اساسي لأجهزة الرقابة. وعملية الاصلاح الاداري مستمرة يومياً وليست موسمية. والإنماء سيكون متوازناً وشاملاً كل المناطق، وستلحظ التعيينات توزيعاً عادلاً في حصص المناطق اللبنانية كافة، لإزالة الغبن والحرمان الوظيفي عنها، وستتخذ الإجراءات اللازمة لتعزيز الأمن الاجتماعي». المحكمة والحقيقة وعن استعمال الحكومة عبارة «احترام» في معرض الحديث عن القرارات الدولية، ما اثار استغراب بعضهم وحفيظة بعض آخر، أكد «أن عبارة احترام توازي بأهميتها، أو هي أكثر أهمية من كلمة التزام، بدليل اعتبارها من التعابير الدستورية الاساسية، كما هو وارد في نص المادة 49 من الدستور التي تنص على أن «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ويسهر على احترام الدستور...» وكذلك المادة 50 من الدستور المتعلقة بقسم رئيس الجمهورية، ونصها «أحلف بالله العظيم أني أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها، وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه». إذاً، فالاحترام يعني أننا أمام نص دستوري يؤكد أن الاحترام له الدلالات الفاعلة، وهو نص يعلو فوق كل نص». اما عن عبارة «متابعة» لمسار المحكمة الخاصة بلبنان، فأوضح انها «تنطلق من ان الحكم استمرارية، وهي عازمة بالتالي على التعاون في هذا الخصوص، تطبيقاً للقرار 1757 الذي صدر عن مجلس الامن، الذي أنشأ المحكمة بهدف «إحقاق الحق والعدالة»، كما جاء في بيان حكومة الرئيس سعد الحريري، الفقرة 13، وبعيداً من «الانتقام والتسييس»، كما جاء في بيان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة – الفقرة 26. والحكومة حريصة حرصَ كل مواطن على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الاهلي، لأنها تعتبر ان هذه الجريمة وما تلاها من جرائم مُدانة، هدفت في الاساس الى ضرب هذا الاستقرار وتلك الوحدة للنيل من مسيرة السلم الاهلي التي عمل الرئيس الشهيد خلال حياته وبالتعاون مع القيادات اللبنانية كافة من اجل تثبيتها وتحصينها ومنع المساس بها». عبارة «مبدئياً» وعن عبارة «مبدئياً»، التي وردت في فقرة المحكمة الخاصة بلبنان في البيان الوزاري، وتشكيك بعض النواب بعزم الحكومة على متابعة عمل المحكمة، وبالتالي القول إن هذه الصيغة لن تكون مقبولة في المحافل العربية والدولية، قال ميقاتي: «هذه العبارة اقتُبست من الصيغة المقدمة من حكومة الرئيس سعد الحريري الى اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية في 2 آذار (مارس) 2011، واعتمدت وفق النص الآتي: «الأخذ علماً بالالتزام بالتعاون مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئياً لتحقيق العدالة، مع المحافظة على الاستقرار والوحدة الوطنية». فلماذا كانت كلمة «مبدئياً»، ركيزةُ بياناتهم، مقبولةً بالأمس واليوم يعترضون عليها ويتجاهلون مضمونها؟ بناء عليه نقول: عيب أن يقال إن الحكومة تتنكر لدماء الشهداء، وفي مقدمهم الرئيس رفيق الحريري، وأنا شخصياً أرفض رفضاً قاطعاً اي مزايدة في هذا الموضوع من أي جهة كانت، وأؤكد ان العمل على إحقاق الحق والعدالة الهدف الاسمى الذي سنستمر في السعي اليه وفاء للشهداء. أليس من الأفضل لنا جميعاً أن ننأى بهذه القضية عن المزايدة والاستثمار السياسيين، وإبقاؤها ضمن الاطار الذي يُجْمِع عليه اللبنانيون». استغلال دم الحريري وأكد ان «ليس نجيب ميقاتي من ناور وفاوض على المحكمة والعدالة للبقاء في السلطة، وليس نجيب ميقاتي من يفرط ويتنكر لدماء أي شهيد سقط دفاعاً عن لبنان، فكيف الحال اذا كانت دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي هو قامة شامخة في لبنان وليس شهيد طائفة أو مذهب أو تيار سياسي، بل شهيد كل لبنان، ولن أقبل بالتراجع عن إحقاق الحق والعدالة أو ان يستغل أي كان استشهاده للنيل من وحدة لبنان وشعبه، التي كان يحرص عليها الرئيس رفيق الحريري». وإذ اعتبر ان جلسات مناقشة البيان الوزاري سادتها «مناخات صحية أبرزت اهمية ممارسة اللعبة الديموقراطية»، لفت الى ان «في كلمات بعض الزملاء ما طاولني تشكيكاً وتجريحاً، وصولاً الى حد اتهامي بالتنكر لمبادئي والتزاماتي تجاه اهلي وابناء مدينتي طرابلس، الذين مشوا معي مسيرة طويلة من الوفاء والمحبة وحمّلوني ثقتهم الغالية مرتين الى الندوة البرلمانية، انطلاقاً من مبادئ آمنتُ بها وعملتُ من اجلها وأعدتُ تأكيدها في انتخابات عام 2009، وفي مقدمها تمسكي بالسيادة والاستقلال وبالحرية والعدالة، وبمتابعة المحكمة الخاصة بلبنان التي تنظر في استشهاد الرئيس رفيق الحريري. وانا ما زلت وفيّاً لالتزاماتي وقناعاتي، ولن أتراجع عنها مهما كانت الضغوط، ومن أي جهة اتت، على كلٍّ، سامحهم الله، والزمن خير مستشار». وقال ميقاتي: «بعضُ ما قيل من كلمات تجنٍّ وظلمٌ يستدرجان غضباً يصبح مبرَّراً عندما تُمس لدي قناعتان مقدستان: أمن لبنان ووحدته واستقراره وسلامة ابنائه، ومؤسسة رئاسة مجلس الوزراء وما ترمز اليه من موقع ودور وصلاحيات ومسؤوليات وطنية». وقال: «هاتان القناعتان خط احمر، لن أسمح ولن أقبل بأي مساس بهما، مهما كانت الاسباب ومهما غلت التضحيات، ولن تصبح رئاسة الوزراء مكسر عصا، وستمارس صلاحياتها كاملة من دون نقصان». وشدد على ان حكومته «لم تُشكل لتشعل الحرائق، وستثبت الأيام أن حكومتنا ولدت لإطفاء نار فتنة كانت ستلتهم لبنان».