شنت المعارضة اللبنانية المؤلفة من قوى 14 آذار هجوماً عنيفاً على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مع بداية مناقشة بيانها الوزاري تحت قبة البرلمان أمس. وتميزت المناقشة بالهدوء وغياب المشاحنات نتيجة قرار واضح من قادة الأكثرية، لا سيما «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري، بتجنب ردود الفعل على عدد من نواب المعارضة، الذين وصف بعضهم الحكومة بأنها حكومة سورية و «حزب الله» وهاجموا سلاح الأخير فيما اتهمها جميعهم بالانقلاب على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لكشف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبالتهرب من التعاون معها، معتبرين أن ميقاتي يستخدم «العبارات الغامضة حمَّالة الأوجه والرمادية» في هذا الصدد. وإذ عكست جلسة مناقشة الحكومة الانقسام السياسي العمودي في لبنان حيال المحكمة خصوصاً، فقد غابت عنها المشاحنات التقليدية والانفعالات التي عادة ما تحصل. وعكس أحد النواب - «المشاغبين» عادة - علي عمّار، قرار الأكثرية التهدئة بالقول في مداخلة مطوّلة له بأنه «أُوصِي» بالانضباط والهدوء. وغلب على مداخلات رموز المعارضة السياق الهادئ في تناولهم القضايا الحساسة وفي هجومهم على الحكومة وبيانها وعلى ميقاتي و «حزب الله». وعلى رغم أن عدداً من نواب المعارضة كان اقترح خلال لقاء قوى 14 آذار الأحد الماضي مواجهة الحكومة التي ستحصل على ثقة 69 من أصل 128 نائباً، الاكتفاء بتلاوة بيان يحجب الثقة ثم الانسحاب من جلسة المناقشة، فإن قرار حضور الجلسة وتحذير الحكومة من وضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي، أدى الى افتتاح الجلسة بعد تلاوة ميقاتي البيان الوزاري بكلمة مميزة للنائب مروان حماده، الذي أسف «لتحويل مناسبة برلمانية عريقة نتوق إليها بعد سنوات الإقفال والحصار فالانقلاب، شبه جلسة تمهيدية للمحكمة الخاصة بلبنان تنقلب فيها الأدوار بين منصة الادعاء وقفص الاتهام». وتناول حماده خطاب الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخير من دون أن يسميه، مشيراً الى «إطلالات جليلة كبّلت الفريق الحكومي وحذفت القليل القليل من الوضوح في البيان الوزاري، كأن الشخص حلّ مكان الحكومة... كما كنا نعلم فمحا بعجل ما حاولتم إيحاءه بخجل». وتوجه الى ميقاتي قائلاً: «صديقك رفيق الحريري لم يستشهد مبدئياً»، في إشارة الى العبارة الواردة في البيان الوزاري عن أن المحكمة أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة، والتي أثارت حفيظة قوى 14 آذار، التي اعتبرتها تشكيكاً بالتزام المحكمة. كما توجه حماده الى بري قائلاً إن «المحكمة الدولية حمتك في السنوات الأخيرة وقد تكون هي التي تحميك اليوم». وتمنى «ألاّ يحتاج ميقاتي إليها لردع أي مسيء أو حاقد». كما خاطب الصديق ورفيق العمر وليد جنبلاط قائلاً: «إن المحكمة التي لم تكن لتحمي الشهيد الكبير كمال جنبلاط قد تكون حمتك عندما أدرجت في رأس لائحة المغضوب عليهم إقليمياً». وكان جنبلاط حضر كلمة حماده وغادر البرلمان بعد انتهائه من تلاوتها. وإذ أثارت بعض مداخلات نواب 14 آذار تصريحات ميقاتي الأخيرة التي رد فيها على بيانها الأخير، فإن بعضهم الآخر طالبه بالالتزام بما صرح به نظراً الى عدم وروده في البيان الوزاري. واعتبر بعضهم، ومنهم نائب رئيس البرلمان فريد مكاري، أن مقام رئاسة الحكومة «تعرَّض معكم الى خسارتين في الهيبة والصلاحية»، وأن «وظيفة الحكومة هي مواجهة المحكمة وقرارك ليس في يدك». ورد عدد من نواب الأكثرية و «حزب الله» على المداخلات في شأن المحكمة، فأكدوا أنها مسيّسة، وشددوا على أن هدفها إسقاط المقاومة بعد فشل إسرائيل في ذلك. وقال النائب علي عمار: «آسف يا صديقي مروان حماده لأن المقاومة لم تسقط في حرب تموز 2006». وليلاً تحدث الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في مناسبة «يوم الجريح المقاوم»، فأكد أن «القرار الاتهامي بحق عدد من المقاومين الشرفاء هو في سياق الحرب الإعلامية والنفسية والمعنوية ضد المقاومة». وأضاف: «أن الخطأ الكبير الذي يرتكبه الفريق الآخر انهم يقيسوننا على أنفسهم». وردّ على «ادعاءات البعض مؤكداً أن حزب الله ليس في عزلة ولا هو خائف ولا مرتبك»، مشيراً الى أن «الإسرائيلي يأخذ اليوم بثأر هزيمة 2006». وقال: «إننا لا نقايض بين العدالة والاستقرار، أن يتخلى الآخرون عن العدالة من أجل الاستقرار، أبداً، والمقايضة من هذا النوع فيها شبه قبول بالاتهام، وهذا ما نرفضه أساساً». وأضاف: «نقول إنه يجب أن تُحقق العدالة، والعدالة هي شرط الاستقرار، والاستقرار بلا عدالة هو استقرار هش، وهو أمن مزيف، وهذه هي القاعدة الحقيقية التي نؤمن بها. إذاً، لا أحد يختلف مع أحد في لبنان في أنه يجب أن تُحقق العدالة. لكن خلافنا في لبنان مع بعض القوى السياسية، ومع كثير من الخارج هو على المصداقية: هل ما يجري هو عدالة؟ وهل لجنة التحقيق الدولية والمدعي العام والمحكمة التي يرئسها صديق كبير لإسرائيل، تحقق العدالة». وأكد أنه «يهمنا الرأي العام الذي يضم أناساً منصفين... هناك أناس لا أمل منهم، وإذا أتيت لهم بوثيقة أن بلمار جلس مع إيهودا باراك ويتلقى منه الأوامر، فلن يتغير موقفهم، وسيخرج أحدهم في اليوم التالي ليقول: المحكمة هي طريقنا الى العدالة. الأمور منتهية عندهم وهم على بيّنة من أمرهم، ويعرفون أنهم في سياق أي مشروع يتصرفون ويتكلمون. نحن نفهم كل شيء، وهم يفهمون كل شيء، وهذا جزء من معركة طويلة لم تتوقف حتى الآن». واعتبر أن «ما يحصل الآن ليس عدالة، هذا ظلم كبير جداً. وكل هؤلاء الذين يؤيدون القرار الظني الظالم هم يدعمون الظلم ويتنكرون للحقيقة والعدالة. ما يجري الآن هو تغطية القاتل الحقيقي الذي هو إسرائيل والظلم الأكبر لرفيق الحريري هو أن يصرّ بعض الناس ويقول: إسرائيل لا تقتل رفيق الحريري، ولا علاقة لها بقتله، مع إننا قدمنا قرائن وقدّمنا احتمالات وتحليلات ووثائق. وهم لم ينظروا الى هذه الوثائق ولا سمعوا ما فيها، ولا ناقشوا... الموضوع محسوم لديهم». وتابع: «إذن، الظلم الأول أن هناك قاتلاً تتم التعمية عليه وهو إسرائيل. وأن هناك مقتولاً وشهيداً يُراد أن يُقال إن إسرائيل لا يمكن أن تقتله وليست متورطة في قتله، وهي إهانة له. والظلم الثالث أن يُتهم زوراً وبهتاناً مقاومون شرفاء بعملية قتل من هذا النوع». ورأى أن «المحكمة اليوم هي الطريق لظلم تاريخي يلحق بالشهداء وبالمقاومين. نحن نتكلم معكم بالمنطق، ونقول هذه قرينة، هذا دليل، هذا معطى، وأنتم تتكلمون بالشعارات وبالخطابات وبقواعد عامة. نتكلم معكم بما هو على الأرض، ولذلك من يحاول اليوم أن يقف ويقول إن «حزب الله» أو الثامن من آذار أو الأغلبية الجديدة أو حكومة الرئيس ميقاتي تعطل العدالة فهذا غير صحيح. أنتم الذين تعطلون العدالة، أنتم الذين تضيّعون الحقيقة وقد ضيعتموها أربع سنوات عندما سجنتم الضباط الأربعة وطلبتم تعليق المشانق لهم، أنتم الذين تدافعون عن الظلم وأنتم جزء من هذا الظلم الذي يحاول أن يحلق بهذه المقاومة وبهذا البلد وبهذا الوطن وبالشهداء الذين قتلوا ظلماً». وختم قائلاً: «التضليل سيستمر لكن نحن أيضاً في المقابل سنستمر. قلنا بعض ما لدينا ولدينا أمور أخرى يمكن أن نقولها في أي وقت، وكل التضليل سيذهب هباء منثوراً، وفي نهاية المطاف الحق مشرق ومنتصر وغالب. المسألة هنا ليست غلبة سلاح، أنتم مشتبهون، المسألة هنا غلبة حق، نحن أقوياء بالحق، بالمنطق، بالدليل، بالبينة، بالحجة، بالمصداقية، بالتاريخ، وبالواقع ولسنا أقوياء بالسلاح، السلاح هو وسيلة لتحرير الأرض والدفاع عن البلد وليس له شغل آخر، مشكلتكم ليست أنكم تواجهون السلاح، مشكلتكم أنكم تواجهون المنطق، ولذلك لن تصلوا الى نتيجة».