في تحدٍ واضح وصريح للأجواء السياسية الملتهبة تحت وطأة صراع أيهما يأتي أولاً «الدستور» أم «الانتخابات»، رفع الأولاد والبنات شعار «المصيف أولاً»، بعد عام دراسي عصيب متخم بثورة خرج منه طلاب وطالبات مصر أحوج ما يكون إلى إجازة. ولكن الثورات تأتي بما لا تشتهيه رغبات الطلاب وجيوب الأهل ومخاوف الجميع، فالصغار يمنون أنفسهم بعطلة صيفية تخفف عنهم ثقل عام صعب، ولكن الكبار مهمومون بمخاوف أخرى، بعضها معنوي والبعض الآخر مادي بحت. شهيرة (12 عاماً) طرقت كل أبواب الديبلوماسية الناعمة مع والدها، من دون جدوى، وخصوصاً بعد أن أخلّ بوعده بإرسالها إلى معسكر رياضي ترفيهي يقام سنوياً، منذ كانون أول (ديسمبر) الماضي، إلا أن مجريات الثورة، وما تلاها من انفلات وغياب أمني، ووقوع المعسكر في منطقة قريبة من سجن وادي النطرون الذي شهد العديد من حوادث هروب المساجين، جعلت الوالد يرفض إرسال الصغيرة خوفاً عليها من الأوضاع، وهو ما لم تتفهمه أو تقبله، وخصوصاً أن عدداً من صديقاتها توجّهن بالفعل إلى المعسكر. ويؤكد واقع الحال أن للثورة علاقات متعددة ومتشعبة بالإجازة الصيفية، فالغالبية العظمى من العائلات المصرية التي كانت تمضي جزءاً من أشهر الصيف في المدن الساحلية مثل الإسكندرية، مرسى مطروح، الغردقة أو شرم الشيخ، تراجع حالياً خط سير العطلة. داليا، أم لثلاثة اطفال، تقول إنها للمرة الأولى منذ ما يزيد على 12 عاماً تضطر لمراجعة خطتها الصيفية. فقد كانت الأسرة تتوجه إلى الشاليه الذي يملكونه في إحدى قرى الساحل الشمالي السياحية عقب انتهاء امتحانات نهاية العام، حيث يوصلهم الزوج ويعود أدراجه إلى القاهرة على أن يمضي معهم عطلات نهاية الأسبوع. لكنها تشعر بشيء من الخوف هذا العام بسبب ما تطالعه في الصحف وعلى شاشات التلفزيون من وقوع حوادث بلطجة، وسرقة على الطرق السريعة. وإذا كانت داليا ما زالت في مرحلة التفكير في شأن عطلتها السنوية في الساحل الشمالي، فإن مصطفى عاد من إجازة دامت أسبوعاً، ويقول: «الإجازة في مجملها كانت جيدة، فمرسى مطروح مدينة جميلة وهادئة، واستمتعنا كثيراً بالبحر والنزهات الليلية. كما أن طريق السفر كان آمناً ولم نتعرض لأي مشكلات». إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى شعور عام بالقلق لدى المصطافين في مرسى مطروح بسبب قربها من الحدود الليبية وتوافد المصريين العائدين أو بالأحرى الهاربين من نيران ليبيا، إضافة إلى توافد أعداد كبيرة من الليبيين أنفسهم هرباً. ويقول: «على رغم عدم وقوع حوادث مقلقة، فإن الجو العام مثير للقلق. هناك أناس هربوا من موت محقق، ومنهم من ترك وراءه ماله وبيته، أو فقد عزيزاً». قلق عطلة الصيف في مصر هذا العام، لم يقتصر على النواحي الأمنية، بل امتد إلى الحسابات والموازنات الداخلية لكل بيت مصري. فقد تحالف شهر رمضان والاقتصاد المصري المتضرر ليلقيا بظلالهما على الكثيرين ممن اضطروا إلى إلغاء أو تقليص خطط المصيف لهذا العام. والملاحظ أن خطط التقليص أفادت وجهات سياحية صيفية ظلّت سنوات تعاني التجاهل. وهناك العديد من الوجهات الساحلية في مصر مثل الإسماعيلية وبور سعيد وفايد التي تتمتع بشواطئ جميلة إضافة الى قربها من القاهرة، لكنها لم تكن على رأس أولويات المصطافين لأسباب غير معروفة. لكن بدأت هذه المدن تشهد إقبالاً وتوافداً كبيرَين من قبل العائلات المصرية، سواء تلك التي قرّرت تمضية يوم على الشاطئ، أم بضعة أيام. مثل هذه المدن لديها مميزات الوجهات الصيفية الكلاسيكية التي تتمتع بها الإسكندرية والساحل الشمالي، لكنها أقرب للقاهرة، وأقل كلفة. ويسخر البعض مبتسماً: «أنا أتوجه بالشكر إلى حال الفوضى والارتباك التي نعيشها، ولولاها لكنت الآن أسدد أقساط مصيف الشركة، ولما كنت قد اكتشفت مصيف فايد القريب لبيتي ولجيبي». إجازات المصريين هذا الصيف مختلفة وغير متوقعة، يشوبها بعض القلق بسبب الأوضاع الأمنية، أو بعض الارتباك بسبب الأحوال الاقتصادية، لكنّها بالتأكيد تتيح الفرصة لإعادة اكتشاف أماكن منسية وابتكار وسائل ترفيه غير معتادة، إضافة لنجاحها في تحقيق رغبة الصغار الشرعية «المصيف أولاً».