الخاسر الأكبر، أو بالأحرى الوحيد في العطلة الصيفية، هو النساء. يفترض أن تكون الأيام التي تمضيها الأسرة على شاطئ البحر فرصة ذهبية للزوجة أو الأم لتلتقط أنفاسها من عناء غسيل أكوام الملابس المتسخة وتنظيف أرجاء البيت وإزالة بقع السجاد وتلميع قطع الأثاث ومطاردة الصغار للتأكد من أنهم تناولوا طعامهم، وإقناع المراهقين بالالتزام بمواعيد تناول الطعام، ومحاولة إرضاء الكبار، أي الزوج، بتقديم ما تشتهيه الأنفس من طعام، وتوفير السكون والسلام المنزلي ليحصل على ساعة نوم وقت القيلولة، بالإضافة إلى لعب دور الترفيه وقت اللزوم والبديل التربوي للصغار في أثناء تغيب «سي السيد» عن البيت» . لكن المفترض شيء والواقع شيء مختلف تماماً. وتتساوى في ذلك الواقع الزوجة العاملة وتلك المتفرغة للبيت، كذلك المستويات الاقتصادية المختلفة، ربما باستثناء القلة القليلة جداً من تلك التي تسكن قمة الهرم الاقتصادي، والتي تعد دائماً في حالة استثناء. سناء (35 سنة) موظفة وزوجة وأم لولدين، تطلق على رحلة المصيف السنوية تسمية «رحلة العذاب». فهي تسافر مع أسرتها لمدة عشرة أيام إلى مرسى مطروح في رحلة تنظمها الشركة التي يعمل فيها زوجها. المصيف عبارة عن عمارة سكنية مقسمة إلى شقق، تقوم كل أسرة من أسر الموظفين بقضاء أيام الإجازة فيها. ولأنها ليست إقامة فندقية، فإن ذلك يعني واحداً من ثلاثة حلول لا رابع لها. الحل الأول هو أن تعتمد الأسر على تناول الوجبات في المطاعم وتستعين بعامل نظافة لتنظيف البيت. والحل الثاني هو أن تقسّم هذه الأعمال على أفراد الأسرة. والثالث هو أن تتولى الزوجة المهمة كاملة من ألفها إلى يائها. الحل الأول غير وارد بالنسبة إلى الغالبية العظمى من أبناء الطبقة المتوسطة وما دونها، لا سيما أن الكثير من الشركات والمؤسسات باتت تقدم فرصة الحصول على «سلفة»، أو إمكانية تقسيط كلفة المصيف أصلاً، وهو ما يعني أن مجرد التفكير في مثل هذا الحل هو ضرب من الجنون. وكذلك هو الحل الثاني، إذ إن معظم الأسر المصرية تعتمد اعتماداً كلياً على العناصر النسائية للطبخ والتنظيف. وهذا يعني أن الحل الثالث «يسود». تقول سناء: «لولا علمي بأن الأولاد ينتظرون أيام المصيف بفارغ الصبر من عام إلى عام، لتظاهرتُ واعتصمتُ في البيت، وأعلنتُ امتناعي عن السفر. فالمصيف بالنسبة الي ما هو إلا مجهود مضاعف. وأنا أسهر أياماً قبل السفر لتجهيز الطعام. ثم ما إن نصل الشقة حتى أبدأ وصلة تنظيف خصوصاً وأن المكان يكون في حالة يرثى لها. وأمضي يومي بعد ذلك بين تجهيز الوجبات الخفيفة التي يمكن تناولها على الشاطئ، ثم الثقيلة التي نتناولها في الشقة، هذا بالإضافة إلى مهمة الغسيل اليومي التي أقوم بها يدوياً، إذ إنه لا توجد غسالة كهربائية». وإذا كانت سناء تقسم بأنها في كل مرة تعود إلى القاهرة بعد انتهاء إجازة المصيف بإصابة إما في فقرات الرقبة أو في مفاصل الركبة أو في عظام الفخذ، فإن صديقتها ربى أكثر حرصاً وحنكة منها. تذكر ربى (40 سنة)، التي تمضي إجازة المصيف كذلك بالطريقة ذاتها مع زوجها وأبنائها الثلاثة، أنها تشترط على زوجها قبل السفر أن يمنحها «إجازة» شخصية لمدة ثلاثة أو أربعة أيام تمضيها مع والدها ووالدتها اللذين يقضيان الصيف في شقة الأسرة في مدينة الإسكندرية. وتقول: «أعتبر إجازة المصيف مع زوجي وأبنائي مهمة عسكرية لا بد من إنجازها بطريقة أو بأخرى. طبيخ وغسل وكنس وطلوع ونزول، في شكل مكثف طيلة أسبوع من دون أدنى استمتاع. حتى متعة الاستحمام في البحر حُرمْت منها بعد ما ارتديت الحجاب ولا أطيق ارتداء مايوه المحجبات الذي يلتصق بجسدي كله. والشيء الوحيد الذي يصبّرني على هذه الأيام الصعبة هو أنني سأحظى ببعض الأيام من الإجازة الحقيقية مع أهلي. راحة واستجمام وعودة إلى الاعتماد على والدتي في كل كبيرة وصغيرة». وتطالب نساء في جمعية نسوية تُعنى بحقوق النساء المتزوجات في الترفيه والاستمتاع بالعطلة، شأنهم شأن بقية أفراد الأسرة. فالزوج يعتبر نفسه في حِلّ من القيام بأي مجهود لأنه جاء يستريح من هموم العام. ويقول مصطفى حسن (44 سنة) إن مطالبة الأزواج بتنفيذ أعمال منزلية أو غير منزلية في إجازة المصيف أمر مرفوض تماماً. «هذه الأيام القليلة هي فرصتنا الوحيدة للراحة. فهل يُعقل أن يطلب منا العمل فيها؟! أظن غير منطقي!» كذلك فإن إلقاء أعباء الخدمة الشاقة عليهن أثناء المصيف أمر غير منطقي. لكن يبدو أن المنطق علم ذكوري لا يعترف بنون النسوة.