أوضح الأميركيون مؤخراً، أنهم يربطون موضوع استئناف المفاوضات، بموضوع داخلي فلسطيني يتعلق بمسألة «المصالحة» الفلسطينية. وذلك حين أجاب مسؤول أميركي رداً على سؤال لصحيفة «هآرتس» يوم الثلثاء 21 حزيران (يونيو) الماضي، حول توقعات الولاياتالمتحدة من إسرائيل، بالقول أن الإدارة لا تنتظر من إسرائيل أن تتفاوض مع حركة حماس. وعلى رغم اعتباره أن مسألة «المصالحة» الفلسطينية هي مسألة مهمة، إلاّ أن هناك أسئلة عميقة يمكن الإجابة عليها من جانب الفلسطينيين فقط. وقال إننا ننتظر ونرى ما سيترتب على «المصالحة». إلاّ أنه بات واضحاً أن مسألة «المصالحة» قد توقفت عند محطة سابقة، وقد لا يكون من السهل تحريكها منها، نظراً لتعقيدها النابع من نزوع عميق بالتحاصص، ومؤخراً بالتقاسم الفئوي والفصائلي. حتى لقد باتت مسألة التفاوض، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعطيات مسألة «المصالحة»، التي يعوّل عليها كونها يمكن أن تدفع بالوضع الوطني الفلسطيني «الموحد»، لأن يكون أقوى على طاولة المفاوضات، من دون أن يلقى معارضة أساسية أو رفضاً مطلقاً، في حال كان الوضع الوطني أكثر تماسكاً وانسجاماً على هدف سياسي واضح. على أن مسألة «المصالحة» ذاتها، تبدو اليوم وكما كانت من قبل، أكثر إشكالية مما تبدو على السطح، فطرفي الانقسام وإن أعلنا عن نواياهما بضرورة إنهاء الانقسام، إلاّ أن مهمة الاقتسام التحاصصي كانت بانتظارهما عند أول المنعطفات، وهي المهمة التي أدت وتؤدي حتى اللحظة، إلى إفشال ترجمة تلك النيات؛ في ظل مطالبة كل طرف بأحقيته في تشكيل الحكومة، وفي اليوم التالي الخلاف على تشكيلتها. وهذا ما عقّد ويعقّد مسألة الانتقال من نقطة تشكيل الحكومة داخلياً، إلى نقطة أعلى خارجية تتعلق بالمفاوضات، التي تنتظر إنجاز «المصالحة» أو انفضاضها موتاً أو انتفاء، ما يعيد خطوة الانتقال باتجاه محطة أيلول (سبتمبر)، نقطة متقدمة نحو المجهول، من دون تحقيق أي إنجاز؛ لا على صعيد المصالحة، ولا على صعيد الوصول إلى اتفاق في شأن المفاوضات. وحتى هذه اللحظة، وفي ظل عودة الأجواء التي سبقت الوصول إلى توقيع اتفاق المصالحة، فإن الاتفاق بات يواجه تهديدات جدية بالتراجع عنه، من جانب طرفيه الموقعين عليه، بعد أن لم يستطيعا المراكمة عليه، أو إنجاز المزيد من خطوات تذليل عقبات استعادة وحدة الأداة الكفاحية الموحدة للحركة الوطنية، منذ جرى اقتسام أوضاع المعطى الوطني قبل أربع سنوات، مضت خلالها غزة إلى المجهول، وبالسلطة نحو مجهول آخر. وبهذا، بين غياب أو عدم وجود جوهر سياسي ثابت أو متحرك، في الوضع الوطني، وتفكك واهتراء النظام السياسي الفلسطيني وتقاسمه حصصاً ومغانم فئوية وفصائلية، وتخلّق أوضاع طبقية واجتماعية زبائنية، لا يمكن لاتفاق «المصالحة» أن يمضي صوب تحققاته كمنجز يعوّل عليه، طالما ظلت العقبات والمعيقات تصدر من طرفيه الأساسيين الموقعين عليه، وهو المآل الأخير الذي «صودف» أن آل إليه بفضل الفاعلين المحليين (فتح وحماس)، وإن صودف هناك نيات مؤكدة، قضت وتقضي بعدم إنجاح الهدف الفلسطيني من الاتفاق في الأساس، للوصول إلى الخطوة التالية التي تتعلق بالمفاوضات، وما إذا كان هناك توجه فلسطيني لإنجاحها أو لإحباطها، ما يفتح الباب واسعاً لاستكمال خطوة التوجه إلى الأممالمتحدة، لنيل اعتراف دولها بالدولة الفلسطينية. بالتأكيد ليست هذه هي النتيجة التي سعى الوضع الوطني الفلسطيني بكافة اتجاهاته للوصول إليها، إلاّ أن إعادة انتصاب «الشروط التعجيزية» لحكومة نتانياهو وللرباعية الدولية، وفي مقدمها الولاياتالمتحدة، والتلويح بعدم تسليم أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، وتوقف أموال الدعم الأوروبي المخصصة للرواتب؛ كل هذا أوقع «المصالحة» ومعطياتها واشتراطات إنجازها في المحظور، فكانت الحكومة ورئاستها هي عنوان الوقوع في هذا المحظور، بل وقبل ذلك شكلت الخلافات التي شابت العلاقات بين حركتي فتح وحماس، الأرضية الخصبة لتوليد المزيد من خلافات وعقبات إنجاز هدف تشكيل الحكومة، كأحد عناوين تحقيق «المصالحة» على طريق استعادة وحدة الأداة الكفاحية لحركة الشعب الفلسطيني الوطنية. وإذ نتفهم بالتأكيد كل ما أحاط ويحيط مسألة «المصالحة»؛ من إشكالات وتعقيدات التدخل الخارجي، والتداخلات المعادية التي عملت وتعمل، وتواصل العمل من أجل عدم إتمامها، إلاّ أننا لا يمكن أن نتفهم هذه الاستجابة السريعة لأول بادرة إحباط، من قبل قوى الساحة الوطنية، وخصوصاً حركتي فتح وحماس، وما يحيطهما من مؤثرات محلية أو إقليمية صديقة أو معادية، للتراجع أو الانسحاب، بدل مقاومة الضغوط المعادية كافة، واستجابة المطالب الشعبية التي بات إلحاحها على استعادة وحدة الوضع الوطني، وإعادة انسجام وتماسك الحركة الوطنية الفلسطينية، هي الهدف الأول والرئيس، وكمعادل لمواكبة حراك المجتمعات والشعوب العربية العاملة على محاولة استعادة حريتها وكرامتها المسلوبة، وذلك ضمن إطار حراك شعبي تاريخي يستهدف إحداث تحولات وتغييرات جذرية بالمعنى التاريخي للكلمة، تخرق أنظمة الاستبداد وتطيحها، وكخطوة لا بد منها تدفع في اتجاهات مواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، على مستوى أعلى من مستويات الصراع الشعبي الذي لم يأخذ دوره التاريخي حتى الآن، وهذا مسعى يتطلب أداة كفاحية موحدة ومنسجمة فلسطينياً أولاً. في أجواء التغيير العربية، وربيعها المزهر والمتفتّح، من المؤسف أن يرتدّ الوضع الفلسطيني نحو خريف معتم، فمن باب الضرورات الكفاحية أن يتجه الفلسطينيون باتجاه تحويل فضاءات التغيير العربية كلها لمصلحة مهماتهم الكفاحية، والأحرى بهم البدء بذواتهم؛ ذوات تغيّر وتتغيّر على إيقاع خدمة الأهداف الوطنية العليا، وذلك بالتخلي عن أنانيات المصالح الفئوية والفصائلية الخاصة، لمصلحة هدف أو أهداف سامية تخص الكل الوطني. * كاتب فلسطيني