يبدو أن الوضع السياسي الفلسطيني بمجمله يتجه نحو مزيد من التدهور وفقدان السيطرة، بعد المؤتمر الصحافي لفاروق القدومي، وجملة ما بدا أن مراكز القوى المتنازعة داخل حركة فتح، بدأت بالكشف عنه واستعماله كسلاح في مواجهة بين أطرافها، وذلك على أعتاب عقد المؤتمر السادس للحركة في الرابع من آب (أغسطس ) المقبل، لا سيما وقد بات هناك من يربط بين تأجيل الجولة المقبلة من حوار القاهرة إلى ما بعد عقد المؤتمر، وما يمكن أن يفضي إليه من موضوعات خلافية وانقسامية وربما انشقاقية، كلها لا تكرس سوى الانقسام السياسي حتى داخل الطرف الواحد والجبهة الواحدة. وهكذا بين جولة وأخرى من جولات الحوار التفاوضي الذي يتواصل فصولاً حتى اللحظة، كانت موضوعات الانقسام السياسي تشهد المزيد من الدفع بها نحو مهاوي انقسامات أعمق، في حين كان يجرى تكريس تقاسم تلك الموضوعات بين طرفي التناقض والتحاصص الفصائلي الفئوي (فتح وحماس)، فضلاً عن تكريس واقع الانقسام الجغرافي. وذلك كانعكاس لواقع الانقسام السياسي الذي كرس بدوره مصالح فئوية سلطوية، باتت ترهن ذاتها، وتراهن على كونها العامل السلطوي الأوحد، أو الأمر الواقع السلطوي الذي لا يمكن للعالم إلاّ أن يشهد له بذلك، ويتعاطى معه كونه الطرف «الشرعي» الذي يستمد مشروعيته من قبول الأطراف الأخرى المعادية، أو المؤثرة (أميركا وأوروبا) له على طاولة التفاوض الآن أو لاحقاً. وفي وقت تستمر فيه حركة «حماس» بالمزيد من الابتزاز، عبر التلويح ببعض اعتراف إقليمي ودولي بها، فقد وصل الخطاب السياسي للحركة - كما بدا حديثاً في خطاب رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل – إلى حيث يراد لها أن تكون، أي إلى ذات الخط الذي باتت تتوازى فيه سياسياً مع حركة فتح، في الوقت الذي تتردى فيه هذه الأخيرة في مأزق عقد مؤتمرها السادس وخلافات أطرافها، وما بدأت تثيره من فضائح، لتصبح هي الأخرى عرضة لأكثر من ابتزاز داخلي وخارجي، الجميع عبره يسعى إلى تطويع الحركة الوطنية الفلسطينية بكافة أطرافها، وذلك لإفشال «حل الدولتين» الذي لم يعد له من مقومات ممكنة لأسباب غير فلسطينية. ولن يغير من الأمر شيئاً، تسويغ حماس لنفسها الاقتراب منه بصيغة أو أخرى، وإن لم تتبنه في شكل كامل وواضح، أو هي اقتربت منه لأهداف تكتيكية، تستهدف عبرها توسل الوضع الإقليمي والدولي تكريس اعترافه بها وبشرعيتها في نطاقها الجغرافي. وهنا، تحديداً، يكمن مربط فرس أهداف تكريس الانقسام، الذي تسعى إليه إسرائيل، ومن يؤيدها في مهمات الإطاحة بحركة التحرر الوطني الفلسطينية وإفشال أهدافها، والعمل بدلاً من ذلك على الإقرار بصيغ تسوية اقتصادية أولاً، تتحول بموجبها ما يفترض أنها سيادة الدولة الوطنية على أرضها، إلى نوع من اعتراف بكانتونات ومناطق نفوذ ومصالح طبقية. واستمرار عقلية التحاصص الثنائي بالهيمنة السياسية والسيطرة الجغرافية، وإقصاء قوى الحركة الوطنية الفلسطينية بمجموعها، عن طاولة الحوار التفاوضي البيني، والذي تجاوز كونه فلسطينياً – فلسطينياً، بحيث تحول منذ زمن إلى عامل مُستقبِل، يتلقى ما تمليه أجندات القوى الإقليمية والدولية على طاولة التفاوض، كما وعلى طاولات الحوار التفاوضي البيني، بعيداً من مصالح الشعب الفلسطيني. إن استمرار عقلية بهذه المواصفات التي تقبل بمثل تلك الشروط المجحفة، لن توصل إلى أي مكان. ومن دون أن تتمثل الأكثرية الوطنية داخل المؤسسات الوطنية التمثيلية، لا يمكن ادعاء العمل على صيانة المشروع الوطني الموحد، وهذا دونه إقرار قانون انتخابي عادل ونزيه مرة وإلى الأبد، يقر النسبية الكاملة مع نسبة حسم مقدارها 3 أو 4 في المئة على الأكثر، وذلك حتى يكون هذا القانون ضمانة الجميع أو الكل الفلسطيني، لضمان وضع تمثيلي له داخل المؤسسات الوطنية كافة. كل هذا ينبغي له أن يقود إلى إعادة تقييم الوضع الوطني، بما يشجع الآن وقبل الغد الذي سيشهد فشل ما يقال أنها الجولة النهائية، استعادة الحوار الوطني الشامل من خاطفيه وراهنيه لقوى إقليمية ودولية، أثبتت معطيات الوضع الوطني الفلسطيني حتى اللحظة، بئس الرهان عليها. كما أن الانقسام السياسي والجغرافي والاستسلام لشروطه، وإذ يشكل الوجه الآخر للاستسلام أمام العدو، وقد كرس ويكرس لما هو موجود، فإن اجتراء البعض على طرح إقامة نظام كونفيديرالي لفلسطين لتكريس هيمنته الفئوية، وهو النظام الذي يقوم بين الدول المستقلة أساساً، كبديل من استعادة الوحدة الوطنية التي أمست في عرف البعض موضوعة من موضوعات زمن مضى، في ظل وضع كهذا، لن يستطيع الوضع الوطني الفلسطيني مجابهة التحديات المطروحة عليه، وأولها تحدي إنهاء الاحتلال، وهذا شرطه الأول إعادة صوغ مشهدية باتت مفتقدة، كان عمادها المشروع الوطني الموحد، وهو ما يبدو أنه بات الآن قاب قوسين أو أدنى من التبديد، ليس على أيدي العدو، بل على أيدي أجنحة المحاصصة الفصائلية الفئوية للأسف. لهذا وفي مواجهة تحدي إنهاء الاحتلال، تقف الحركة الوطنية الفلسطينية اليوم عاجزة عن التقدم ولو خطوة واحدة، باتجاه تحقيق هذا الهدف المركزي، المشروط بدوره بوجود قيادة وطنية متماسكة وموحدة، تعود بمرجعياتها إلى منطق وعقل إدارة صراع تحرري، وليس إلى منطق تفاوضي سقيم، يسعى إلى التكيف مع هدف إيجاد صيغ اقتصادية أو اقتصادوية، للمشاركة مع الاحتلال في إدارة الوضع الوطني الفلسطيني، وفي الهيمنة على مصائر شعب يتواجد بعضه تحت الاحتلال، وبعضه الآخر في مخيمات اللجوء والشتات. كما أن البحث في جدليات تطوير النظام السياسي الفلسطيني بما يستجيب والتطلعات والمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، لا ينبغي أن تبقى حكراً على الثنائية الفصائلية، على ما درج الفصيلان الأساسيان (فتح وحماس) حتى الآن على اتباعه من مسلكيات أحادية أو ثنائية، طالما كانا من خلاله يستبعدان كامل قوى الحركة الوطنية، وإقصائها عن ما يفترض أنها شريكة فيه شراكة كاملة، لا علاقة لها بمحاصصات الأحجام التمثيلية، بل هي من صميم مهامها ضمن الجبهة الوطنية العريضة المؤتلفة، في إطار حركة التحرر الوطني وأدواتها الكفاحية...