هل فشل مسار التغيير الشبابي الفلسطيني في إحداث اختراق في جدار الانقسام؟ وما الذي يجرى التعويل عليه في القادم من الأيام، لإحداث مثل هذا الاختراق، ولاستحداث مسار آخر لإنهاء الاحتلال، والأهم كيف يمكن مسار الإصلاح الداخلي أن يمضي نحو تأسيس نظام سياسي فلسطيني جديد، تنهض في ظله مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، على أسس أكثر ثباتاً وتماسكاً، تؤسس لسياسات تنحاز الى المشروع الوطني الفلسطيني، والى وطنية فلسطينية لا تخضع للمحيط الإقليمي؛ وسياساته التي هي أبعد ما تكون عن الانحياز لمصالح وتطلعات وطنية عليا، يتوافق عليها الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده. في أجواء التغيير والثورات الشعبية العربية، تحاول القوى الشبابية في الساحة الفلسطينية، أن تأخذ نصيبها من إمكانات التغيير، لتمضي نحو صنع مستقبل مشرق للشعب ولقضيته الوطنية، خروجاً من حال الاستعصاء التي وقفت عندها الحركة الوطنية الفلسطينية، بل تراجعت في ظلّ تلك الحال أهدافها، ليس هذا فحسب؛ بل إن الانقسام السياسي والجغرافي، كان أبرز ثمار حالة التصارع على سلطة القرار، وما إذا كان ممكناً إنجاح مسيرة المفاوضات، أو الفوز بمسار المقاومة، وعلى هاتين الجبهتين توقف «الستاتيك الفلسطيني» منذ عام 2005، وما زال يفضي إلى مآلات لا تُحمد عقباها، لا في إزاء المفاوضات المتوقفة، ولا في ظل تعريض مواطني «إمارة غزة» لردود فعل انتقامية عنيفة من جانب الاحتلال. لهذا... وبغض النظر عما هو المطلوب راهناً: إنهاء الانقسام أو إسقاط نظام أوسلو – وفق البعض – أو تغيير النظام السياسي الفلسطيني (تعديله وتطويره) وفق البعض الآخر، فإن المطلوب وبإلحاح الانطلاق من ضرورة العمل على إحلال سياسة إنهاء الاحتلال أولاً، مقدمة لتبلور سياسات موازية تنهي حال الانقسام وتحدّ من تأثيرات سيادة عقلية اقتسام النظام السياسي، والعمل جدياً على إعادة توحيده، ومن ثمّ الاتجاه نحو توافق عام على سياسات مواجهة الاحتلال، وذلك ببلورة سياسات فلسطينية جديدة، تواكب في انعكاسها طبيعة التحولات الشعبية والثورية الناشئة في الفضاء الإقليمي العربي، وطبيعة التعاطي الدولي مع هذه التحولات، قبل أن يجرى قلب ثمارها لمصلحة قوى الهيمنة الإقليمية والدولية (إسرائيل والغرب) بفعل «مقاومة» قوى الثورة المضادة التي لم تزل نشطة، وتعمل على محاولة الانقلاب ضد الثورات الشعبية، وتغيير مساراتها بالعودة في شكل أو آخر إلى ملاذات الأنظمة القديمة. إن سيادة أيديولوجيا الاقتسام؛ اقتسام النظام السياسي الفلسطيني منذ السنوات الست المنصرمة، هي التي كرّست وتكرّس حتى الآن؛ استمرار الاحتلال وتواصله، بل قيامه ببناء المزيد من مستوطناته على الأرض الفلسطينية، من دون أن تكون هناك نجاعة، ولو محدودة، في التصدي لمزيد من الإيغال بالاحتلال، أو الوصول إلى صيغة مماثلة – أولية – لتسوية سياسية على المسار الفلسطيني، أو حتى «نيات تسوية» في ظل حكومة يمين متطرف، ليست في أجندات أي من أحزابه الموافقة على دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود الأراضي التي احتلت عام 1967، كما أن ليس هناك أي نيات بالموافقة أو العمل على إقامة دولة منزوعة السيادة، على ما ينوي نتانياهو في خطته التي سيعلنها قريباً. وكل ما هنالك أن التسوية التي يسعى إليها اليمين الإسرائيلي؛ إذا اضطر إلى ذلك، لا يتعدى إطارها العام أو التفصيلي حتى، إقامة حكم ذاتي تحت سيادة الاحتلال. وفي المقابل لم تنجح كل أساليب «المقاومات» التي استفردت بغزة، في الحفاظ على حياة مواطنيها ومقاوميها، من دون تعريضهم إلى المزيد من الهجمات الإجرامية لقوى الاحتلال الجوية والبرية والبحرية. كل هذا في ظل تواصل النفخ في قرب أيديولوجيا الاقتسام المثقوبة، التي تحولت طوال الزمن الذي استغرقته عملية الشرذمة الاقتسامية منذ منتصف عام 2005 إلى «مقدس» سياسي، أعاد إنتاج وضع اجتماعي فيه من فساد الزبائنية، واصطفافات الفئوية والفصائلية الكثير، وإلى حد بات هناك من ينظّر ويزيّن ل «جمالية» تلك الأيديولوجيا، فعلى جانبي الانقسام، هناك مصالح ناشئة لم يعد من السهل التخلي عنها، بقدر ما يمكن شنّ حرب أو التحالف موضوعياً مع العدو من أجلها، بل بات من الصعب العيش إلاّ في ظل سيادتها نمطاً وحيداً – بل أحادياً – لشكل التفاوض العبثي وجوهره، كما لشكل أو جوهر أساليب «مقاومة» عابثة وعبثية، لم تقدم لقضية المقاومة سوى نقائض مغايرة ونافية لها، كما وللقضية الأم. وهذا ما يضع الوضع الفلسطيني أمام مهمة تفكير وتخطيط ذات طابع إستراتيجي، همها الأساس إخراجه من ثنائية الخيارات المحدودة، إلى رحابة الخيارات المتعددة الأكثر ديناميكية. ومن المؤسف أن يحمل الانقسام، كما روحية الاقتسام ومحاولات «تحسينه»، كل هذا الوبال على القضية الوطنية والمشروع الوطني، والوطنية الفلسطينية ذاتها، ويكفي ما ألحقته تلك العقلية الأبوية التي حملتها قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، وما انشق منها من حركة إسلاموية بتحالفاتها المحلية والإقليمية، من هزائم مدوية، لم تكد الحركة الوطنية تخرج منها، إلاّ لتدخل في مثيلات لها، بتداعياتها التي أرست هذا «الستاتيك» الفلسطيني وكرّسته، كمقدس اضطر كل طرف للدفاع عنه، كمجال خاص، بل خصوصي، على قاعدة أساس تقول «إن ليس هناك الآن أبدع مما كان»، وهذا تحديداً ما يؤدي إلى إجهاض ما يحاول «شباب التغيير الفلسطيني» إبداعه أو ابتداعه كخطوة نحو محاولة إنهاء الانقسام، مقدمة لإنهاء موضوعة الاقتسام الضارة بعملية إنهاء الاحتلال، كما وللإضرار بكل توجه نحو العمل على وحدة الأداة الكفاحية للشعب الفلسطيني. وقد آن لنا ترديد مقولة «كفى لأوهام تحسين الاقتسام»، وكفى لمزاعم «جماليات» الانقسام، وانحيازها الى تلك القوى الإقليمية، والمصالح العابثة بأقدار قضية شعب فلسطين. * كاتب فلسطيني