شكّل إضرابٌ متقطّع بدأه العاملون في شركة السكك الحديد الفرنسية أمس، ما يشبه «معمودية نار» للرئيس إيمانويل ماكرون وفريقه الحكومي. وكان ماكرون نجح في الأشهر الماضية من ولايته التي لم تبلغ عامها الأول بعد، في إقرار مجموعة إصلاحات معقدة وحساسة من دون عقبات تذكر، ما عزّز ثقته بجدوى إرادته الإصلاحية التي شكلت جوهر برنامجه الانتخابي. لكن هذه الإرادة تبدو اليوم على عتبة مواجهة مديدة، مع إرادة النقابات الرافضة إصلاحاتٍ تعتبر أنها تهدد موقع ومكاسبهم العاملين في قطاع السكك الحديد، الحيوي على المستويَين الاقتصادي والمعيشي. وابتكرت النقابات لهذا الإضراب شكلاً جديداً، إذ جعلته مفتوحاً لمدة 3 أشهر، وكذلك متقطعاً، بحيث يقتصر على يومين فقط في الأسبوع. ما يعني بالتالي توقّع مواجهة مديدة بين السلطة والنقابات، وقاسية على المواطنين الذين يتوجب عليهم تكييف تنقلاتهم مع وتيرة الإضراب، وأيضاً على المؤسسات الإنتاجية التي ستواجه صعوبات في نقل منتجاتها، أو الحصول على ما يلزمها من مواد أولية. وأفيد عند منتصف نهار أمس، أن التجاوب مع الإضراب كان كثيفاً، وأن التعبئة بدت مرتفعة، وشملت واحداً من كل اثنين من العاملين في السكك الحديد. وترتّب على هذا التجاوب بالطبع تنكيد وتعقيد حياة المواطنين، إذ اقتصرت حركة سير القطارات السريعة التي تربط بين المناطق على 12 في المئة، فيما انخفضت حركة القطارات التي تربط باريس بالضواحي إلى قطار واحد من أصل 3 قطارات، في يومٍ وصفته وسائل الإعلام ب «ثلثاء أسود». وواكب اليوم الأول من الاحتجاجات إضرابٌ نفّذه العاملون في شركة الطيران الوطنية «إر فرانس» للمطالبة بزيادة رواتبهم، ما تسبب باضطرابات ضخمة في حركة النقل الجوي، إضافةً إلى إضرابٍ بدأه العاملون في جمع النفايات، الداعون إلى تحسين شروط عملهم. لكن اتساع نطاق الحركة الاحتجاجية لم يحل دون تأكيد السلطات عزمها على الصمود في وجه «الإضرابيين»، ودعوتها النقابات للعودة إلى التفاوض حول إصلاحاتٍ تعتبرها حتمية. وأبدت النقابات، من جانبها عزماً مماثلاً، فأكدت تصميمها على الصمود حتى تراجُع الحكومة عن خططها، فارضةً على ماكرون بالتالي أول تحدٍّ في هذا المجال. ويراهن كلا الطرفين على استمالة الرأي العام، في مواجهةٍ لا تزال في بداياتها، ويُرتقب أن تكون لها تداعيات مستقبلية شديدة الأهمية. وإذا نجح ماكرون في الصمود وحسم المواجهة لمصلحته، فإنه سيُحكم قبضته على البلاد، منتزعاً من النقابات قدرتها على المعارضة والتعطيل، ليمضي في تحقيق ما تعهّد به من إصلاح وتغيير. وفيما يبدو الرئيس وحكومته مُلزمَين بالصمود، فإن النقابات ملزمة بدورها بصمودٍ مماثل، لأن خسارتها المواجهة الحالية ستُفقدها مبررات وجودها وفاعليتها. ويستحضر الجميع مواجهةً بين النقابات ورئيسَي الحكومة السابقَين آلان جوبيه ودومينيك دوفيلبان، إذ اضطر الأول للتراجع عن خطط إصلاح نظام التقاعد، والثاني عن عقد الوظيفة الأولى، ما يطرح السؤال في شأن ما ستؤول إليه المواجهة الحالية.