حين تمطر في مدينتي الشبيهة بقرى كثيرة ومتجاورة، أشعر بالكآبة الشديدة والفقدان. وبعد قليل بالتوتر والعصبية. ويكون مخرجي الوحيد غرفة المجلس التي اتخذتها غرفة لي، وأضفيت على المكان فوضاي غير الممكن ترتيبها بسبب أن هنالك حلقة مفقودة تربط بين حلقتين. لذا تجيء الكتابة من دون حرارة الدماغ. ومن دون مستوى الشعرية وإن تكن فوق مستوى الواقع الذي يربطني به أنني إنسان موجود ولديّ إمكان العيش لزمن طويل وهذا لا يعني سوى الأدوية والمزيد من الأدوية. أتناولها بحرص وترتعش يداي وأنا أخرج الحبوب المختلفة الألوان والأحجام وأبتلعها. وأنا لا اطمع في مفعول سحري كأن أعود إلى زمن كان جميلاً وظليلاً وأريحياً ومقداماً. حدوده مفتوحة لكل الاتجاهات وحينا أنتقل عبر التذكر إلى السفر الذي كان جميلاً وكانت موانئه لآلئ مسحورة وخطاي فيه طويلة ولكنني أطالب بالحدود الدنيا من الشعور بزوال التوتر. لسنين طويلة وهذه عناويني العريضة. وإن أسوأ الأيام هو ذلك الذي ينطوي على مشاعر (الكفّ) عن ممارسة حريتي بسبب الطموح الأخرق إلى مكان في الجماعة، شرط ألا أتنازل عن هويّتي. وهو طموح سخيف أعرف ذلك ولكنني أجد نفسي في هذه الحالة دوماً. ومثل مهرّب أتلفت بقوة وسرعة، ولذلك لا أرى شيئاً مع أن ذاكرتي مبرمجة على اجترار الماضي وأفكاري نحوه ومدى خطئي ومدى نجاحي. وإنْ كنت نجحتُ في شيء فهو استمراري في الحياة على رغم الغثيان الذي يتموج فوقها. وحين أتحدث عن التفاؤل فهو حديث فحسب! لأنني متطير! وأرى الغربان دائماً في أحلامي الميتافيزيقية. ولأنني أمعنت في خمسيني فقد صارت إشكالية الموت والغياب أقل تعقيداً وحيناً تصير مثل موعد غير دقيق ينادي همساً وفحيحاً إلى أن أنام لآخر مرة! * قاص سعودي.