منذ سنوات عديدة اختتمت هذا العام بالرقم خمسين، إعتاد أهل السينما ومهرجاناتها ان يدركوا ما إن يذكر أمامهم اسم تظاهرة «أسبوع النقاد»، ان المقصود ليس شيئا آخر غير تلك التظاهرة التي تقام على هامش التظاهرتين الأساسيتين في مهرجان «كان»، والتي جرت العادة على ان تعرض خلالها افلام لمخرجين آتين من شتى انحاء العالم، يخطون – بالنسبة الى غالبيتهم على الأقل – خطواتهم الأولى في عالم الأبداع السينمائي. غير ان تظاهرة «اسبوع النقاد» في دورة هذا العام اتت إستثنائية. وليس فقط لأن التظاهرة احتفلت بالذكرى الخمسين لولادتها. بل تحديدا لأن الأختيارات جاءت هذا العام متميّزة عن ايّ عام سابق حتى وإن بدت أسماء معظم اصحاب أفلامها غريبة على الأسماع. وهل نحن في حاجة الى القول ان بعض افلام التظاهرة بدّيت على افلام المسابقة الرسمية كما على افلام عالمية عرضت في تظاهرة «نظرة ما» في الكتابات النقدية لعدد كبير من النقاد والصحفيين خلال ايام المهرجان للتأكيد على هذا؟ نقول هنا هذا كي نتحدث عن العروض التي تقام في بيروت في هذا الأيام بالذات للعدد الأكبر (ستة افلام من اصل سبعة عرضت في مسابقة التظاهرة «الكانيّة» واربعة اخرى خارج مسابقتها) من افلام دورة هذا العام من «اسبوع النقاد». وهذه العروض في العاصمة اللبنانية، بعد اسابيع قليلة من انقضاء الدورة الأخيرة لمهرجان «كان»، تنضوي ضمن تقليد بدأ منذ سنوات بمبادرة من المعهد الفرنسي في بيروت شراكة مع جمعية وصالة «متروبوليس» فحواه نقل معظم التظاهرة لتقدم في صالة «صوفيل الأشرفية» وسط العاصمة ... فإن نقصت التظاهرة فيلما لوحظ في «كان» هذا العام فما هذا الا لأن الفيلم إسرائيليّ ... ناهيك بأن فيه من الأباحية ما كان سيمنع عرضه على الأرجح حتى ولو لم يكن اسرائيليا. اما الباقي فأفلام بدأت منذ «كان» تشق طريقها بقوة على خارطة السينما الجديدة في العالم ، علما بأن العدد الأكبر من هذه الأفلام يعتبر اوّل اعمال اصحابه («اكاسيا» للأرجنتيني باولو جيورجييلي نال «الكاميرا الذهبية» التي تمنح للفيلم الأول لمخرجه بصرف النظر عن التظاهرة التي عرض فيها). من «اكاسيا» اذا الى «أعلنت الحرب» مرورا بأعمال مثل «آفي» من اخراج البلغاري كونستانتين بوجانوف، والصيني «صونا على سطح القمر» لتشانغ إي و «17 فتاة» للثنائي دلفين وموريال كولين الفرنسيتين و «شوتاون» من استراليا لجاستين كارزل و «خذ ملجأ» لجيف نيكولز، والاسرائيلي الغائب عن بيروت «الساقطة» من اخراج هاجر بن آشر في تجربتها الأولى هي الأخرى (ويبدو انه كان – تبعا لآراء معظم النقاد الذين شاهدوه – واحدا من اقوى افلام التظاهرة هذا العام!) وصولا الى «أميرتي الصغيرة» و «لماذا البكاء» و «ابتعد يا رينيه»، عبر كل هذه الأفلام - التي يعرض في بيروت بعضها كما اشرنا- لا شك ان السينما تبدو وكأنها تجدّد شبابها. ونعرف طبعا منذ سنوات عديدة ان تظاهرة «أسبوع النقاد» اعتادت ان تحمل هذا الطابع منذ بداياتها. وحسب المرء ان يتفحص الكتاب الخاص الذي اصدرته التظاهرة في «كان» لمناسبة عيدها الخمسين ليتيقن من هذا. فالكتاب يذكّر، من يمكن ان يكون قد نسي، بأن عددا كبيرا من السينمائيين الراسخين في راهن السينما قد بدأ «صغيرا» في دورات سابقة لهذه التظاهرة من برناردو برتولوتشي الى الراحل سمبان عثمان مرورا بجيرزي سكوليموفسكي واوتار يوسيلياني ووونغ كارواي وليوس كاراس، ويمكن للائحة ان تطول لتشمل ميشال بيكولي مخرجا اواليخاندرو اينياريتو واندريا آرنولد... وهذا كله دون ان ننسى عددا من كبار مبدعي السينما العربية الجديدة الذين «بدأوا» بدورهم هنا من امثال ميشال خليفي ومرزاق علواش ومحمد ملص...