انضم الحلف الأطلسي وأستراليا وجمهورية إرلندا وبلجيكا ومولدوفا الى «حرب ديبلوماسية» تشنّها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها على موسكو، بعدما اتهمتها لندن بتسميم العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته، اذ طردت مبعوثين روساً، فيما نددت موسكو ب«ابتزاز» أميركي. لكن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي طالبت الغرب ب«ردّ بعيد المدى» يتصدّى للتحدي الذي تشكّله روسيا. وأعلن الامين العام للحلف الاطلسي ينس ستولتنبرغ «سحب اعتماد 7 من أعضاء البعثة الروسية لدى الحلف، ورفض طلب اعتماد 3 آخرين»، مضيفاً ان الحدّ الأقصى لحجم البعثة الروسية لدى «الأطلسي» سيُخفض بنسبة الثلث، من 30 الى 20. وأضاف: «هذا الأمر سيوجّه رسالة واضحة الى روسيا (مفادها) ان هناك عواقب لسلوكها غير المقبول والخطر». واعتبر ان موسكو «قلّلت من شأن وحدة الحلفاء ضمن الأطلسي»، مرجّحاً أن تؤدي التدابير الجماعية المُتخذة ضد موسكو الى «تراجع قدرتها على تنفيذ عمليات استخباراتية في دول الحلف والبلدان التي طُرد منها» الديبلوماسيون. واستدرك أن «الأطلسي» يعتزم مواصلة «مقاربته المزدوجة، القائمة على الدفاع القوي والانفتاح على حوار» مع روسيا. وانضمت أستراليا وإرلندا وبلجيكا ومولدوفا أمس إلى أكثر من 20 دولة طردت حوالى 130 ديبلوماسياً روسياً. وأبعدت كانبيرا ديبلوماسيَين، وكلّ من دبلن وبروكسيل واحداً، وكيسيناو ثلاثة. كما استدعت بلغاريا سفيرها من موسكو للتشاور. ولفتت ماي الى ان 25 دولة طردت ديبلوماسيين روساً، اضافة الى «الأطلسي»، ورحبت ب»دعم دولي» نالته المملكة المتحدة. وأضافت امام مجلس العموم (البرلمان): «شهدنا لحظة مهمة في ردنا على عمل عدواني متهور، لكن لا تزال هناك حاجة الى مزيد، فيما نعمل مع شركائنا الدوليين في إطار ردنا على المدى البعيد، على التحدي الذي تشكّله روسيا. الدول التي تحرّكت ضد موسكو لم تفعل ذلك بدافع التضامن فحسب، بل لأنها أدركت الخطر الذي تمثله». اما وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، فرأى في الطرد الجماعي للديبلوماسيين الروس «ضربة ستحتاج الاستخبارات الروسية لسنوات قبل التعافي منها». وكتب في صحيفة «ذي تايمز»: «لم يقدم هذا العدد من الدول قط على طرد ديبلوماسيين روس. أعتقد بأن ما حدث قد يصبح نقطة تحوّل. التحالف الغربي اتخذ تحركاً حاسماً، ووحّد شركاء بريطانيا صفوفهم في مواجهة الطموحات المتهورة للكرملين». وتابع: «كانت هناك حقبة نجح خلالها تكتيك الشك، لكن لم يعد ممكناً خداع أحد». في المقابل، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن «أحداً لا يريد تحمّل مثل هذه الوقاحة»، وزاد: «عندما نطلب من ديبلوماسي أو اثنين مغادرة بلد، ونهمس له باعتذار، ندرك تماماً ان ذلك نتيجة ضغط وابتزاز هائلين، باتا السلاح الأمضى لواشنطن في الساحة الدولية». ورأى أن الابتزاز لا يتعلّق فقط بملف سكريبال، بل أيضاً «عندما يقول الأميركيون مباشرة للفلسطينيين: لن نمنحكم مالاً الى ان توافقوا على فكرة لم تُصَغْ بعد». وخلص إلى «صواب الاستنتاجات الروسية في شأن بقاء عدد وجيز من البلدان التي تنتهج سياسة مستقلة في العالم المعاصر وأوروبا». وأبلغ خبراء «الحياة» أن «الكرملين في موقف لا يُحسد عليه، اذ لم يكن يرغب في فتح معركة أخرى مع الغرب، بعد إعادة انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين لولاية رابعة، وفي الوقت ذاته لن يهادن لئلا يبدو في مظهر غير القادر على الردّ على الغرب، بكل ما يملك من ترسانة أسلحة». وقال خبير: «أكثر ما تخشاه روسيا هو تشديد عقوبات اقتصادية، تبقي الانتباه (موجّهاً) إلى الخارج على حساب تسوية المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل». لكن الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون أعربا عن دعمهما «الردّ القوي» على موسكو، بعدما وصف البيت الأبيض تسميم سكريبال ب»عمل وقح جداً وتصرّف طائش». واعتبر وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن تسميم سكريبال وابنته يرقى إلى «محاولة قتل» من الحكومة الروسية، لافتاً الى ان الهجوم ينطوي على استخدام «واضح جداً» لعامل كيماوي، هو الأول بأسلحة كيماوية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ورأى في الأمر جزءاً من نمط من ممارسات روسية يعتقد بوتين بإمكان إنكارها، مذكّراً بضمّ موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014، وتدخلها العسكري في شرق أوكرانيا، إضافة الى «تدخلها» في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016. وأضاف: «روسيا قادرة على أن تكون شريكاً لأوروبا، لكنني أعتقد بأن علينا الاقرار الآن بأنها اختارت السعي الى علاقة مختلفة مع دول الحلف الاطلسي».