حوالى ستمئة من المدنيين وقوات الشرطة أُصيبوا في اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة حول «ميدان التحرير» في وسط العاصمة المصرية القاهرة. المجلس العسكري اعتبر ما حدث عملية «مدروسة ومنظمة، تستهدف الوقيعة بين المؤسسة الأمنية والشعب»، وربما بين الجيش والشعب، فقوات الأمن ليست هي السلطة. والأرجح أن ما حصل تعبير عن غضب من بطء محاكمة مَن ساهم في قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير، والكل أجمع على ان الشرطة أفرطت في العنف مع المتظاهرين. الحقيقة لم تزل غير معلنة، لكنها معروفة، لذا فإن الاستمرار في استخدام «كليشيهات» جاهزة لتفسير أحداث التجمهر والشغب، لن يمنع استمرارها وتطورها. والمجلس العسكري الذي كان حامي الثورة وحليف الثوار اصبح هو السلطة، وعليه ان يدرك ان الناس الذين خرجوا على السلطة السابقة، لن يتوقفوا عن الخروج ما لم يحدث فعل جدي على الأرض يقنعهم ويمنعهم من الخروج، وهو مُطالَب بتسريع وتيرة العملية السياسية، قبل ان يجد الجيش نفسه في مواجهة مع «ميدان التحرير»، وربما على نحو أشد. لا شك في ان ما حصل الثلثاء الماضي، وتجدد أمس في «ميدان التحرير» كانت له إرهاصات في وسائل الإعلام المصرية، ومن يقرأ الصحف المصرية اليوم سيجد ان بعض قادة الرأي في مصر الذي كان يهتف في الميدان، بات يتصرف على طريقة «ذهبت السكرة وجاءت الفكرة». وأخذ يعبّر عن خيبة امله بأمور كثيرة، ابرزها المساومة بين تقديم الدستور على الانتخابات والعكس، ويلمح الى انه مثلما كانت مصر تُحكَم بالحزب الوطني، تشهد اليوم معركة خفية بين القوى الجديدة، والكل يريد ان يرتب الأمور لمصلحته. وهناك بين شباب الثورة من أصبح يتخوف من استمرار هيمنة الجيش على مقاليد الحكم، والوصول الى واقع سياسي يعيد زمن «الضباط الأحرار» باسم الثورة الجديدة. الأكيد ان العنف الذي أبداه المتظاهرون، لن يُحَل بالأساليب الأمنية. ولا بد ان يتحلى الجيش بشجاعة تاريخية، فيترك «ميدان التحرير»، ويعود الى موقعه المفترض، ويحمي العملية السياسية مثلما حمى الثورة. ومن دون وضوح في موقف المؤسسة العسكرية من الحكم، سيبقى مستقبل الثورة المصرية يلوح بأمل بعيد.