حذّر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، المشاركين في «حكومة وصاية غير منقَّحة» من «الإسفاف والتهديد بالإبعاد والنفي، والتهويل بزجّ المعارضين في السجون، والتلويح بالاقتصاص من كل «آخر»، وباقتلاع كل من ليس مطواعاً بين يدي النظام العربي البائد من الإدارات العامة»، قائلاً: «مهلاً يا إخوان، حتى في عز ايام الأنظمة العربية البائدة، لم يرض الشعب اللبناني ذلاًّ وقهراً، فهل تنتظرون منه ان يقبل بذلك الآن؟ كلا، وألف كلا». وكان حزب «القوات اللبنانية» أقرّ امس نظامَه الداخلي، بعد اقراره في الهيئة العامة في جلسة مغلقة في مادة وحيدة، وأطلقه خلال احتفال حاشد أُقيم في معراب، حضره الى جانب نواب كتلة «القوات»، نواب من كتلة «المستقبل» ووزراء سابقون من قوى 14 آذار. بعد النشيد الوطني ونشيد «القوات»، تحدث عضو الامانة العامة لقوى 14 آذار سمير فرنجية، الذي أثنى على «الجهد الذي بذلته القوات لتطوير أوضاعها التنظيمية، لأنه يساعد على إنهاء حال من انفصام الذات لم يعد ممكناً التغاضي عنها، كما انه يساهم في ردم الهوة بين مكونات 14 آذار الحزبية وبين الرأي العام الاستقلالي، ولم يكن ليحصل لو لم تقم القوات بوضع حد فاصل بين ماضي الحرب والحاضر والبحث عن مشروعية سياسية لها في حاضر ثورة الارز ومستقبلها، في حين لا يزال البعض ينبش القبور بحثاً عن مشروعية مفقودة». واعتبر ان جعجع «أضفى بُعداً أخلاقياً على هذا التحول حين تقدم في 21 ايلول/ سبتمبر 2008 باعتذار صريح أمام الحشود والرأي العام عن كل أذية او خسارة او ضرر غير مبرر تسببت به القوات خلال الحرب، فوضع حداً لكل السياسات القائمة على مثول الماضي في الحاضر واستنفار الذاكرات المتوترة خدمة لمصالح سياسية آنية». واعتبر ان «النظام الذي أمسك بلبنان على مدى العقود الأربعة الماضية فقد صلاحيته، وهو مضطر الى الاختيار بين إصلاحات جذرية تغيِّر في طبيعته وتنهي تالياً أطماعه الإقليمية، وبين قمع دموي يعرضه حتماً للسقوط». أسئلة للطوائف من فرنجية ولفت الى ان «هذا الأمر يطرح على كل لبنان وعلى كل طائفة من طوائفه أسئلة مصيرية، فالسؤال «المسيحي» هو الآتي: هل من مصلحة المسيحيين الاستمرار - كما يفعل بعضهم - في الدفاع عن نظرية «تحالف الأقليات ضد الأكثرية»، وهي النظرية التي استخدمها النظام السوري للدخول الى لبنان؟ وهل من مصلحة المسيحيين «الخروج من التاريخ» والوقوف مع نظام ينهار بذريعة أن البديل منه غير محدد، والتخلي عن دورهم النهضوي التاريخي في لحظة بدأ فيها العالم العربي يتبنى المبادئ التي طالما ناضل من أجلها المسيحيون؟». وأضاف: «والسؤال «الشيعي» هو الآتي: هل يجوز، كما تفعل الثنائية الحزبية «أمل»-»حزب الله»، ربط مصير الطائفة الشيعية بمصير نظام سياسي دخل مرحلة السقوط؟ وهل من مصلحة لهذه الطائفة في أن تتحول قوة دعم لنظام يواجه شعبه بقمع دموي وأن تتخلى عن تاريخها الطويل في مواجهة الظلم والمطالبة بالعدل؟ والسؤال السني هو الآتي: هل ان الطائفة السنية محكومة بأن تبقى أسيرة رد الفعل تجاه ما يجري، أم أن دورها في لحظة التغيير العربي الكبير هو في طمأنة الطوائف الأخرى والعمل على وضع حد لهذا الصراع المذهبي الذي يتهدد العالم العربي بأسره والشروع مع الآخرين في تحديد دور لبنان في صياغة عالم عربي جديد ديموقراطي وتعدّدي؟». وطرح «السؤال الدرزي»، قائلاً: «هل إن حماية الطائفة الدرزية تتحقق من خلال الانسحاب من الحياة السياسية؟ وهل الانكفاء على الذات لا يفقدها دورها المحوري في تأمين الوصل بين كل مكونات المجتمع اللبناني؟». ورأى ان «هذه الأسئلة لن تجد أجوبة لها الا في الإطار العام المشترك، فالضمانات التي من حق كل طائفة أن تحصل عليها تتأتى من الإطار المشترك الذي يحتوي الطوائف جميعاً، أي من الدولة»، مشيراً الى ان «الدولة هي اليوم عاجزة عن القيام بالدور المطلوب. فهي دولة مازالت منقوصة السيادة، دولة يخيفها السلاح غير الشرعي، فترضخ للأمر الواقع، دولة تفسد عملها قيادات سياسية تريد وضع اليد عليها، تارة بحجة الدفاع عن حقوق لهم، وطوراً بحجة تغييرها وإصلاحها، دولة تديرها سلطة لم تتبلغ بعد أن العالم قد تغير وأن لا وصاية بعد اليوم». جعجع وقال جعجع في كلمته أنه «في اللحظة التي يبدأ فيها تحولٌ تاريخي بنيوي عميق في المنطقة كلها، نرى لبنان، الذي كان دائماً وأبداً مرتَعَ النهضات وحركات التحرر ومختبرَ الديموقراطية في هذا الشرق، يعود خطوات الى الوراء، من خلال ممارسات رسمية غير مفهومة، انتهت بتشكيل حكومة اقل ما يقال فيها إنها حكومة الأنظمة العربية البائدة». وسأل: «كيف لنا، كلبنانيين، أن نفسر خطْفَ مواطنين غير لبنانيين على ارضنا وإعادتهم الى بلادهم، فقط بسبب آرائهم السياسية، وبعيداً من الأصول الإدارية والقضائية القانونية المطلوبة؟ وكيف لنا أن نفسر اعتقال بعض الهاربين من أهوال الثورات والمآسي وإعادتهم قسراً الى بلادهم، حيث قد ينتظرهم الموت المحتم؟ وكيف نفسر موقف لبنان في مجلس الامن، والذي يبدو بشكل أو بآخر وكأنه يسلّم بما يجري من قمع دموي في اكثر من دولة عربية؟». وأشار الى أنه «عندما انطلقت القوات كحركةِ مقاوَمة عفوية فرضتها أحكام الضرورة منتصفَ السبعينات، لم يكن البعض ليتصوّر ان تتحوّل هذه الحركة الشعبية الارتجالية الى ما بلغته من تنظيمٍ وصلابةٍ ووضوحٍ في التوجّه والرؤية... وعندما اتخذت القوات قرارها الإستراتيجي بالموافقة على وثيقة اتفاق الطائف والانخراط في مسيرة بناء الدولة أواخر الثمانينات، لم يكن البعض ليتوقّع أن تنجح القوات باستنباط سلاحٍ أنجع من السلاح الذي تخلّت عنه بإرادتها... فظنّ أن قوات من دون سلاح لن تكون القوات، الى ان استحال القلم وسلاح الموقف بيدها اقوى من أي سلاح...». ولفت الى ان «القوات أعادت إنتاج نفسها تلقائياً عندما دقّ الخطرُ الأبواب، وصمدَتْ بديهياً على رغم كل القتل والتنكيل والاضطهاد زمنَ الوصاية، وأزهرت طبيعياً في ربيع 14 آذار 2005... وها هي اليوم تتقدّم مسيرةَ التغيير والديموقراطية النابضة، من خلال إقرارها نظاماً داخلياً متطوِّراً» وقال: «كم هو معبِّر ومؤثر ان نلتقي اليوم لإضافة مدماك جديد على بنيان الديموقراطية في لبنان، في الوقت الذي تثور فيه شعوب المنطقة قاطبةً طلباً للحرية والكرامة الانسانية. إنها ربما المرة الاولى التي تلاقي الشعوب بعضها بعضاً في تاريخ هذه المنطقة، بانسجام تام، ومن فوق جدران الحدود وأسوار الأنظمة ومن دون سابق تصور وتصميم، بصوت واحد وصرخة واحدة: الشعب يريد... حرية سلمية... كرامة... ديموقراطية... إنها الأنشودة التي كانت ضائعةً ولاقت لها أخيراً ملايين من الحناجر تُنْشِدها في كل شوارع مدن المنطقة وساحاتها وقراها». التعاطف مع الشعوب المعذبة وأضاف: «انطلاقاً من كل ما نؤمن به، لا يسعنا سوى اعلان تعاطفنا مع الشعوب العربية المعذَّبة جميعاً، والساعية الى الحرية». وأكد جعجع «ان القوات لم تكن لتُفلح في تحقيق هذه الخطوة الجبّارة لولا التضحيات السخيّة التي بذلها شهداؤنا ومصابو الحرب بيننا، والمعتقلون والمناضلون والجنود المجهولون وكل من حمل لواء القضية وبذل الجهد بكل إخلاص ومسؤولية، فالفضل يعود إليهم، ولأجلهم». احتفال «لبنان الحر» وخلال مشاركته في الاحتفال السنوي لإذاعة «لبنان الحر» رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أنَّ «القوى الرئيسة الموجودة في هذه الحكومة هي سورية من جهة و «حزب الله» من جهة أخرى، وهذا ليس تجنياً ولا سراً نكشفه، مع احترامي لبعض الشخصيات الموجودة فيها ولرئيسي الجمهوريّة والحكومة». وأضاف: «أنَّ معارضة «14 آذار» ستكون بنّاءة عن «حق وحقيق»، وديموقراطيّة فعلاً». وردّ جعجع على كلام الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله عندما قال: «نحن خرجنا من المحكمة ولا علاقة لنا بها»، فأسف لذلك، وتساءل: «هل المحكمة صالون «أبو كوكو» يدخل إليها ويخرج منها ساعة يشاء؟ كنتم موجودين عندما أقرت المحكمة في هيئة الحوار الوطني بالإجماع وأعيد تأكيدها في كل الحكومات، وفي الأخص في الحكومتين الأخيرتين التي كان «حزب الله» شبه مشارك فيهما»، أمَّا اليوم فيقولون إنهم خرجوا منها، وهذا الكلام غير مسؤول». وأضاف: «إن كان يتكلم أحد عن الفتنة ويقول إنه يجب ألا نصل إلى الفتنة، فهذا الموضوع لن نصل إليه، أمَّا اللعب بالمحكمة الدوليّة بالتحديد، فهو الوحيد ولا شيء غيره الذي يمكن أن يوصلنا إلى الفتنة». ورد جعجع على النائب ميشال عون من دون أن يسميه، في كلامه الأخير عن أنَّ «الأكثريّة الجديدة» استطاعت أن تهز «الإمبراطوريّة المافيويّة» التي كانت قائمة، فسأل: «عن أي إمبراطوريّة يتحدثون؟»، وتابع: «إنَّ أركان وأعمدة «الإمبراطوريّة المافيويّة» هم هؤلاء الموجودون حالياً في الحكومة»، متمنياً على أصحاب هذا المنطق «أخذ تقارير كل الخبراء الاقتصاديين من دون استثناء، من عام 1990 حتى عام 2005، لمعرفة حقيقة ممن كانت مكوّنة فعلياً هذه الإمبراطوريّة».