قال كبير الاقتصاديين ورئيس إدارة الأبحاث في «جدوى للاستثمار» الدكتور فهد التركي إن صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني سينفقان مبالغ تصل إلى اكثر من 130 بليون ريال، بمثابة إنفاق استثماري داخل السعودية خلال العام، ما يعزز بدرجة كبيرة مستوى رؤوس الأموال التي سيتم ضخها في المملكة. وأشار إلى أن هناك حزمة لحفز القطاع الخاص، تركز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والإسكان، والتشييد، ونمو الصادرات وقطاعات أخرى يُنتظر أن تسهم في تعزيز نمو القطاع الخاص. وبناءً على تلك العوامل، يتوقع أن يتحسن نمو القطاع الخاص غير النفطي من 0,7 في المئة 2017 إلى 1,1 في المئة في 2018. وأكد التركي، في لقاء مع «الحياة» أن هذا التوقع للنمو، وإن كان أقل من توقعات الحكومة، «فإأنه أفضل من النمو المسجل في السنة الماضية»، مشيراً إلى أن هذا التحسن جاء بسبب السياسات التي تم إعلانها والمواكبة للموازنة، مثل حجم الانفاق الكبير، سواء أكان الاستثماري أم الجاري، الذي سيحرك عجلة الاقتصاد. وأوضح أن الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة تحول بدأت في 2016 مع إعلان رؤية المملكة 2030 واعلان برنامج التحول الوطني، التي تعتبر امتداداً للبرامج الاقتصادية السابقة، الهادفة إلى تقليل الاعتماد على الايرادات النفطية وتنويع مصادر الدخل. وأشار إلى أن القطاع الخاص السعودي يمتاز بديناميكية كبيرة، كما تمتاز السوق السعودية بحجم كبير، وهذا كله مدعوم بقطاع مصرفي قوي جداً. وفي الحقيقة، تشير كل هذه العوامل إلى أن الاقتصاد جاهز ليصبح محركه الأساسي القطاع الخاص، وليس الإنفاق الحكومي، كما كان في السابق. وأشار إلى أن شركة جدوى توقعت تحسن نمو الاقتصاد الكلي، إذ يتوقع ارتفاعه إلى 1,5 في المئة عام 2018، مقارنة ب0,7 في المئة عام 2017، مبيناً أن قطاع النفط سيسجل التحسن الأكبر في العام الجاري، بنموه بنسبة 1.5 في المئة في 2018، مقارنة بتراجعه بنسبة 3 في المئة في 2017. وتوقع أن تواصل الموازنة التوسعية للعام الجاري، التي قررت أكبر مصروفات تقديرية في تاريخ المملكة، وتضمنت زيادة في الإنفاق الرأسمالي بلغت 14 في المئة، على أساس سنوي، دعمها للنمو الإيجابي في القطاع غير النفطي. ويرد على الذين يقولون إن هناك كثيراً من السياسات الانكماشية التي تم إعلانها، مثل ضريبة القيمة المضافة، والرسوم على العمالة، ورفع أسعار الوقود والكهرباء، بأنه يوجد اجماع من الاقتصاديين بضرورة تلك السياسات. وعموماً، على رغم أن تلك السياسات تعتبر انكماشية، ففي الجانب الآخر هناك سياسات انفاق توسعية تمتاز بأنها أكبر من السياسات الانكماشية، ومنفعتها للاقتصاد أكبر. وتشمل السياسات التوسعية، «حساب المواطن» الذي يقدر الانفاق فيه بحدود 30 بليون ريال، والزيادة في الانفاق الاستثماري من الحكومة، وأيضا السياسة التحفيزية في القطاع الخاص التي تقدر ب72 بليون ريال، إضافة إلى ما تم إعلانه في مطلع شهر تموز (يوليو) وهو مبلغ ال50 بليون ريال بمثابة بدلات تصرف للمواطنين لمواجهة كلفة المعيشة خلال 2018. ويرى التركي أن القطاع الخاص مايزال لديه في الوقت الحالي مخاوف من السياسات الاقتصادية، وهو في حاجة إلى بعض الوقت كي يواكب هذه التغيرات السريعة. ولا يتوقع الدكتور فهد أن يكون النمو أكثر من 2.7 في المئة، كما جاء في بيان الموازنة، وتتوقع جدوى أن يكون النمو في حدود 1.5 في المئة. أما بالنسبة إلى سوق الأسهم، فيعتقد الدكتور فهد أن السوق يُنظر إليها، في ظل التحول الاقتصادي، باعتبارها إحدى الركائز التي تم البناء عليها للتنوع الاقتصادي، وذلك بناءً على عوامل عدة، منها تنويع السوق من الداخل بدخول شركات مختلفة، كبيرة كانت أم صغيرة، واستقطاب المستثمرين الأجانب إلى السوق السعودية. وأشار، إلى ما شهدته السوق في الفترة الأخيرة من اللوائح والأنظمة الجديدة، التي تم إعلانها، إضافة إلى إنشاء السوق الموازية، التي سمحت بدخول شركات برأسمال ومتطلبات إدراج أقل. وبالطبع، فإن إنشاء هذه السوق الموازية مفيد للبيئة الاستثمارية في السعودية، لأن وجود تلك الشركات في السوق يفيد التنوع والحوكمة، التي تهدف إلى انتقال الشركات من شركات عائلية إلى شركات مساهمة في السوق المالية، ما يدعمها من ناحية النمو، وهي بدورها تدعم الاقتصاد في شكل كبير. وفي ما يخص المستثمرين الأجانب، لفت إلى كثير من القوانين التي تم اعلانها أخيراً، سواء أكانت على مستوى هيئة السوق المالية واستقطاب الاستثمارات الحافظة أم على مستوى الهيئة العامة للاستثمار واستقطاب الاستثمارات المباشرة، كما أن إدراج البورصة السعودية في المؤشرات الدولية سيسهم كثيراً في دعم السوق، من خلال استقطاب الاستثمارات الاجنبية. ويرى أن سوق الأسهم السعودية توفر فرصة كبيرة للمستثمر الاجنبي، مقارنة بأسواق المنطقة، باعتبارها أكبر أسواق المنطقة وأعلاها سيولة وأكثرها تنوعاً، ما يشكل عامل دعم للسوق ويجعلها أكثر الاسواق جذباً للاستثمار الاجنبي في منطقة الشرق الاوسط. تمديد برنامج التوازن المالي لم يكن استجابة لارتفاع أسعار النفط يقول الدكتور فهد إن إعلان تمديد برنامج التوازن المالي لم يكن استجابة لارتفاع أسعار النفط، مشيراً إلى أن أسعار النفط تعتبر خارج المعادلة، إذ إن برنامج التحول الوطني، وبالتالي تنويع الاقتصاد، سيمضي في طريقه، سواء أكانت أسعار النفط مرتفعة أم منخفضة، ومما لا شك فيه أن تمديد برنامج التوازن المالي يحسب نقطة ايجابية للسياسات الاقتصادية في المملكة، وهو يعتبر نوعاً من المرونة في اتخاذ القرار. عند إعلان برنامج التوازن المالي الأول في كانون الأول (ديسمبر) 2016، كان هناك تخوف من أن تؤثر سياسات البرنامج في النمو الاقتصادي. وبعد مرور سنة من تطبيق البرنامج، كان هناك تواصل مع القطاع الخاص ومع مؤسسات دولية متخصصة في أوضاع السياسة المالية في المملكة، لمعرفة الأثر المتوقع لسياسات برنامج التوزان المالي. وفي نهاية الفترة كان هناك اتفاق بأن السعودية ما زالت تحتفظ بأصول مالية عالية يمكن الاعتماد عليها في تخفيف حدة اثر تقلبات أسعار النفط في البيئة الاقتصادية المحلية، إذ تعادل الاحتياطات الأجنبية نسبة 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تعد نسبة كبيرة، بمقاييس المنطقة وبالمقاييس العالمية، وأيضاً بمقاييس الدول المنتجة للنفط. أما السبب الثاني، كما يرى، فيتمحور حول قدرة الحكومة على الاستدانة. ويوضح التركي، أن معدل الدين الحكومي السعودي إلى الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2014 كان في حدود ال 1.5 في المئة، وهذه النسبة بالطبع لا تقع ضمن المستويات المرتفعة، لا على مستوى دول مجموعة ال20 التي تعتبر المملكة جزءاً منها، ولا على مستوى الدول الناشئة التي تتشابه مع السعودية في كثير من النواحي الاقتصادية، ولا على مستوى الدول المنتجة للنفط، التي يعتمد جزء كبير من دخلها على النفط. ويقول، إن هذه العوامل ساعدت صناع القرار الاقتصادي في السعودية في استنتاج أن الثمار المرجوة من تمديد برنامج التوازن المالي إلى عام 2023 ستكون أفضل مما ينتج من التوزان المالي عام 2020. إدراج «أرامكو» ينعش السوق.. ومتوسط سعر النفط 60 دولاراً أكد كبير الاقتصاديين ورئيس إدارة الأبحاث في «جدوى للاستثمار» الدكتور فهد التركي أن إدراج «أرامكو» اكثر تعقيداً، بسبب الحجم الكبير لأصول الشركة، ويضيف: «إدراجها يدعم الحوكمة والشفافية وينوع القاعدة الاستثمارية في الاقتصاد السعودي»، مشيراً إلى أن السبب الجوهري في ادراج «ارامكو» هو تغيير النمط الاقتصادي في السعودية، الذي كان يعتمد على دخل النفط واستخدام هذا الدخل في مختلف أوجه التنمية، إلى نمط يستقطب الدخل من استثمارات متنوعة، جزء منها في قطاع النفط والغاز. وبين أن استخدام هذا الدخل المتنوع في التنمية، وهذا التحول له نتائج كبيرة، منها تنويع الاستثمارات، وتخفيف ضغوط الدورات الاقتصادية، وخصوصاً التي تعتمد على أسعار النفط في البيئة الاستثمارية المحلية، وتوليد بيئة اقتصادية متينة. بالنسبة إلى أسعار النفط، أشار إلى أن «جدوى» أبقت على تقديراتها السابقة، إذ تتوقع أن يكون متوسط الأسعار عند 60 دولاراً للبرميل عام 2018 كله، مع الأخذ في الاعتبار احتمال تراجعها في فترة ما في المستقبل، مشيرة إلى أن ما يؤكد توقعاتها هو أن سعر برميل النفط في تاريخ اصدار تقرير الاقتصاد السعودي 2018 كان بحدود ال 70 دولاراً للبرميل، لكن الآن تم تصحيح جزء منه حتى وصل سعر البرميل إلى 65 دولاراً تقريباً. وتتوقع «جدوى» أن تواجه أسعار النفط بعض الضغوط من عاملين أساسيين، هما: أولاً: انتاج النفط غير التقليدي «النفط الصخري»، إذ ينتظر أن ينمو النفط الصخري في الولاياتالمتحدة بنسبة 13 في المئة في 2018، ونسبة 6 في المئة في العام المقبل. ثانياً: سيأتي الضغط على أسعار النفط، في حال قرر منتجو النفط من داخل منظمة «أوبك» ومن خارجها عدم الاستمرار في اتفاق خفض الانتاج، في ظل الانتاج الكبير من النفط الصخري. وترى، أن المحافظة على هذا الاتفاق قد تكون صعبة جداً، إذا كان هناك دعم لصعود أسعار النفط لمستويات أعلى، بمعنى أنه في حال بلوغ اسعار النفط ال70 دولاراً أو أكثر، نتوقع أن يكون هناك رفض لهذا الاتفاق. لكن إذا بقيت أسعار النفط في حدود ال60 دولاراً نتوقع أن يستمر جزئيا التزام هذا الاتفاق، لذا تتوقع «جدوى» للاستثمار أن تكون أسعار النفط عند مستوى ال60 دولاراً للبرميل. وأشار إلى أنه في خضم تلك التغيرات الكبيرة على المستوى الكلي في الأسواق، نلاحظ تغيرات كثيرة، منها ما يهم المستثمر المحلي، مثل ادارج صناديق «الريت»، إذ تعد جدوى للاستثمار من المبادرين، سواء من جانب الأبحاث أم من جانب إدارج أول صناديق «جدوى» المعروف ب«صندوق جدوى ريت الحرمين»، الذي يركز على سوق المدينتين المقدستين مكة والمدينة، و«صندوق جدوى ريت السعودية» الذي يركز على كل مناطق المملكة. ويرى أن صناديق الريت، بالمجمل تساهم في دعم الاقتصاد، وأن الاستثمار العقاري كان في جميع فترات التنمية السابقة حكراً على المستثمر الكبير، الذي لا بد أن يكون لديه رأسمال كبير، إلى أن ظهرت صناديق «الريت»، التي وفرت فرصة للمستثمر الصغير والمتوسط لدخول أسواق العقار وتنويع استثماراته. ويقول إن صناديق «الريت» توفر السيولة، إذ إن السيولة في العقار تكون صعبة جداً، لكبر حجم الاستثمار وتأثره بالدورات الاقتصادية، لذا فإن طرح صناديق «ريت» في الأسواق يوفر سيولة كبيرة للمستثمرين، للاستفادة من الدورات الاقتصادية وأثرها في القطاع، إما بالدخول وإما بالخروج، بحسب تنوع الاستثمار أو استجابته للدورات الاقتصادية.