كشف إقرار إسرائيل رسمياً أمس بأن طيرانها الحربي دمر في 6 أيلول (سبتمبر) 2007 ما وصفته ب «مفاعل نووي» في دير الزور في سورية، عدداً من الحقائق التي كانت مثار جدل، في مقدمها أن المؤسسة الأمنية هي التي حسمت تنفيذ عملية «خارج الصندوق». فوزير الدفاع في حينه إيهود باراك هو الذي أمر بتنفيذها على رغم أنه طالب بتأجيلها، وعلى رغم رفض الولاياتالمتحدة طلب رئيس الحكومة في حينه إيهود أولمرت تنفيذ المهمة بدلاً من إسرائيل، ومخاوف إسرائيلية حقيقية من حرب سوريّة شاملة على إسرائيل تغرقها بالصواريخ، «إذ عمّت أجواء هستيرية جلسات الحكومة الأمنية المصغرة التي ناقشت العملية وكأن نهاية إسرائيل تقترب»، بحسب باراك أمس، فيما «أخفى الرئيس السوري بشار الأسد تفاصيل العملية» عن أوساطه القريبة، ولاحقاً «اختفاء قياديين عسكريين سوريين في ظروف غامضة». وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمس، أن الدولة العبرية ستمنع أعداءها من امتلاك أسلحة نووية، وكتب على «تويتر» أن «حكومة إسرائيل وجيشها وموساد (وكالة الاستخبارات) منعت سورية من تطوير قدرات نووية، وتستحق كل شكر. سياسة إسرائيل كانت ولا تزال منع أعدائنا من امتلاك أسلحة نووية». ومع إماطة اللثام عن «إحدى أهم العمليات العسكرية التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي في تاريخه، إن لم تكن أهمها»، بحسب الضابط «كفير» الذي شارك في القصف، تبيّن أن الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجي (موساد) مئير ردغان هو الذي جاء لأولمرت في شكل مستعجل ليخبره أن سورية تبني مفاعلاً نووياً في دير الزور، وأنه يجب التحرك بسرعة لتدميره، ليتوجه الاثنان إلى واشنطن ويبلغا الرئيس جورج بوش الابن ب «الخطر الوجودي على إسرائيل»، ويَطلب أولمرت منه أن تنفذ الولاياتالمتحدة التزامها أمن الدولة العبرية وتُدمر المفاعل بعملية، لكن بوش فضل حلاً ديبلوماسياً، ما رفضه أولمرت الذي قال له لاحقاً: «قررتُ تدمير المفاعل لأن أمن إسرائيل فوق أي اعتبار». ونفى مستشار الأمن القومي الأميركي في حينه جيمس جيفري التلميحات الإسرائيلية إلى أن الولاياتالمتحدة عارضت العملية، وقال للإذاعة العسكرية أمس: «كنّا إلى جانبكم في شكل مطلق. الرئيس قال إن أمن إسرائيل من الأولويات، وكل ما تقررونه مقبول علينا، ونحن معكم مئة في المئة». واعتبر قائد سلاح الجو في حينه اليعيزر شاكيدي، في حديث إذاعي، ان العملية معقدة جداً، وقال: «أرسلنا 18 طائرة حربية (من طراز أف-15 وأف-16) ألقت 18 طناً من المواد التفجيرية. أوامري قضت بتنفيذ العملية بتوقيع منخفض، أي من دون التعرض لطائرات سوريّة أو إبقاء أثر بأن إسرائيل نفذت العملية». وقال وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان أمس: «محفزات أعدائنا للمس بنا ارتفعت في السنوات الأخيرة، لكن قوة جيشنا وسلاح الجو والقدرات الاستخباراتية تعززت في شكل كبير منذ عام 2007، ويجدر بالجميع في الشرق الأوسط إدراك ذلك». كما قال مستشار رئيس أركان الجيش أثناء العملية أوري ساغي إن نجاحها أعاد إلى إسرائيل الردع الذي تضرر في حرب لبنان 2006». وقال الخبير العسكري البارز رونن برغمان إن تعليمات رئيس «موساد» قضت بعدم إحراج الأسد بالتباهي بالعملية في شكل استفزازي «لأن حشره في الزاوية، وهو المنسحب للتو من لبنان، قد يرغمه على الرد... وأصاب دغان في توقعاته، ولكن، ثمة داعٍ للبحث في المستقبل عن إخفاق الاستخبارات في كشف وجود المفاعل مع البدء بإنشائه، وعن طبيعة علاقات كورية الشمالية بسورية». لكن اللافت في حديث برغمان قوله، إن إسرائيل أثبتت للولايات المتحدة أنها حرّة التصرف في ما يتعلق بأمنها، وأنه إذا لم تنفذ الولاياتالمتحدة عمليات تضمن أمن الدولة العبرية، فإن الأخيرة ستقوم بذلك، و «هذا ما قد ينطبق في المستقبل القريب في حال واصلت واشنطن عدم الأخذ في الاعتبار تحذيرات إسرائيل من النفوذ الإيراني المتسع في سورية».