على رغم أنه لم يمض أكثر من سنة وحيدة على تطبيق التأمين الصحي في سورية، فإنه لم يحقق الرضا لدى الموظفين ومقدمي خدمات الصحة وشركات إدارة النفقات الطبية. والمعلوم أن هذا التأمين يجرى عبر برنامج «تاج» للتأمين الصحي الذي ينضوي تحت مظلة «المؤسسة السورية للتأمين» التابعة للحكومة. وبحسب بعض المتابعين، تعود أسباب هذا الإخفاق إلى غياب المعرفة بالتأمين الصحي في السوق السورية، باعتباره ميداناً مستجداً. فمثلاً، ما زال مقدمو الخدمات الصحية في أول الطريق، لأنهم ليسوا معتادين على هذا النمط من العمل. كما يحتاج المواطن، باعتباره الطرف المستفيد من هذا التأمين، إلى بعض الوقت كي يعرف طريقة استخدام بطاقة التأمين، خصوصاً أنه معتاد على طرق أخرى في الوصول إلى الخدمات الصحية. في المقابل، يرى آخرون أن ضعف البنية التحتية للإنترنت وضعف الكوادر الإدارية بالنسبة للتعامل مع تقنيات المعلوماتية، أربكت تطبيق المشروع. منذ بداية تطبيق التأمين الصحي على الموظفين الحكوميين في القطاع الإداري (وصل عددهم في بداية حزيران-يونيو الجاري إلى قرابة 459 ألفاً)، بدأت الشكاوى في التهاطل نظراً لعدم تغطية بعض الأمراض المزمنة، ولاعتبار المؤمّنين مرضى «درجة ثانية» من قبل الأطباء والصيادلة. وشكا كثيرون من الموظفين المؤمّنين من اضطرارهم للانتظار فترات طويلة في العيادات والصيدليات، قبل أن يتنبّه مقدم الخدمة لهم. وأشار الدكتور عبد القادر حسن، وهو نقيب أطباء سورية، إلى أن سبب انتظار المؤمّنين يعود إلى ضعف البنية التحتية للإنترنت، وبطء الشبكة التي يحتاجها الطبيب أو الصيدلي للدخول إلى حساب من يشمله التأمين. وقال: «نتلقى شكاوى من الأطباء من كون خطوط الإنترنت بطيئة، بما فيها خطوط «أي دي أس أل» IDSL التي يفترض أن تكون سريعة، ما يسبب إحراج الطبيب وإرباكه في العيادة أثناء أخذ الموافقة من شركة التأمين لعلاج المريض المؤمّن». وأضاف حسن: «هناك شكاوى من تأخّر الدفع للأطباء المتعاقدين مع التأمين لمدد قد تصل إلى ستة شهور. لذا، يتهم الأطباء شركات النفقات الطبية بتشغيل أموالهم ومستحقاتهم التي يفترض أن تدفع خلال 45 يوماً». وفي إطار متّصل، عبّر الصيادلة أيضاً عن تأثرهم بتأخر دفع مستحقاتهم، خصوصاً أنهم يدفعون من رأسمالهم ثمن الأدوية التي تعطى للمرضى المؤمّنين. ولا يقتصر عدم الرضى على المرضى والأطباء، بل يشمل شركات إدارة النفقات الطبية أيضاً، إذ أكّد الدكتور نبيل حنيدي نائب مدير عام إحدى هذه الشركات (وهي «غلوب ميد» Globe Med)، أن ثقافة التأمين الصحي مازالت ضعيفة في سورية. وأشار إلى تعوّد الموظفين الاتفاق مع طبيب كي يكتب لهم وصفة يحصلون على ثمنها من النقابات التي تولت هذه المهمة في الفترة الماضية، ما يعني أن هذا التدبير كان يقدم للموظف دخلاً إضافياً. وأضاف حنيدي: «هذا الأمر أدى إلى حدوث حالات كثيرة لاحتيال تأميني بلغ عددها بالنسبة لشركة «غلوب ميد» ما يزيد على 15 ألف حال، وبلغت قيمتها حوالى سبعة ملايين ليرة (ما يعادل 140 ألف دولار تقريباً). إذ حاول بعض العاملين استخدام البطاقة التأمينية للحصول على أدوية وعلاج لزوجاتهم وأولادهم أيضاً. هنا يأتي دورنا في التأكّد من هذه الحالات». وتحدث مدير «المؤسسة العامة السورية للتأمين» سليمان الحسن عن موضوع تغطية الأمراض المزمنة بالتأمين الصحي. وأوضح أنه منذ شهر حزيران (يونيو) الجاري أصبح كل من يشمله التأمين ممن يعانون أمراضاً مزمنة، ما عدا السكري والربو وارتفاع ضغط الدم، قادراً على الاستفادة من 12 وصفة مجانية مخصصة للأمراض المزمنة، شريطة تحمّله نسبة 20 في المئة من ثمن الوصفة. وأوضح الحسن أنه يفترض تعبئة طلب خاص بالأمراض المزمنة، ثم إرساله إلى المؤسسة، مؤكّداً أن المؤسسة ستعتمد طلبات الأمراض المزمنة التي جرى تقديمها في السنة الفائتة، وبعد التوصّل إلى حلّ لمشكلة الأمراض المزمنة، طفت على السطح أخيراً مشكلة الاتفاقية التي يفترض توقيعها لتغطية العام الثاني بين شركات النفقات الطبية ونقابة أطباء سورية، إذ قاطعت الشركات التوقيع بعد أن فرضت نقابة الأطباء نصاً في الاتفاقية ينص على التعاقد مع أطباء سورية جميعهم، وكذلك اقتطعت النقابة نسبة 15 في المئة، كي تذهب إلى صندوقها (5 في المئة) و10 في المئة لصندوق نقابة المحافظة التي يقيم فيها المريض. وتصرّ الشركات الآن على تعديل الاتفاقية بالتعاون مع هيئة الإشراف على التأمين الصحي، كي تصبح بنودها منسجمة مع الإجراءات المعمول بها في معظم الدول.