في ظل توسع دائرة الشركات الوطنية لتصنيع وإنتاج الأدوية ، إلا أن هناك فجوة واضحة لعدم تحقيق أهدافها المنشودة بكل سهولة تحقيقاً لراحة المريض، وأصبحت الأدوية هاجسا يسيطر على عقول المواطنين والمواطنات، حتى بات قلقه أكبر من معاناة المرض نفسه، وعلى الرغم من قطع دول مجلس التعاون الخليجي عامة والمملكة خاصة أشواطا كبيرة في التقدم الصحي شهدتها السنوات الماضية إلا أن تشجيع القطاعات الخاصة على الاستثمار في المنطقة حال دون ذلك، نتيجة دخول كم هائل من الشركات الإقليمية والعربية والأجنبية سباق التنافس من أجل نيل حصة مهمة من كعكة الأسواق الخليجية. سياسة التخزين تقود لأزمات خانقة بسوق الدواء ( تصوير:مرتضى بو خمسين ) «أدوية مغشوشة، تهريب وتخزين سيئ، مواصفات غير قياسية، وجودة منخفضة، وأخطاء بالوصفات الطبية، كلها شكاوى تعالت بها أصوات المواطنين، مطالبين بإيضاح الحقائق ووضع حل لهذا المسلسل الطويل، خاصة مع مراعاة صعوبة إعادة الأدوية حال ثبوت مخالفتها، «اليوم» تفتح هذا الملف وتطرح آراء جميع الأطراف بحياد وشفافية بهدف استجلاء الحقيقة . ويثير نقص الأدوية المستمر بصيدليات المستشفيات الحكومية تذمر الكثير من مراجعي ومرضى المستشفيات نفسها، فعلى الرغم من أنها أدوية يقررها الطبيب داخل المستشفى إلا أن نقصها يجعلهم «مضطرين» لشرائها على نفقتهم الخاصة من الصيدليات الخارجية، في الوقت الذي يفترض أن تكون مقدمة لهم بالمجان ، تعددت وتنوعت الأسباب وتعالت أصوات الصيادلة .. فمنهم من يدافع عن الاتهامات الباطلة «حسبما ذكروا «ومنهم من يؤيد المرضى والمراجعين مضيفين: «لا حول لنا و لا قوة» , ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما وجهوا أصابع الاتهام إلى وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء رغم توسع الأخيرة فى تطبيق أنظمة وقوانين لتعديل الوضع إلا أن عدم تكاتف الجهتين يشعر المواطنين بوجود حلقة مفقودة. يقنع الوكيل الصيدليات بتخزين أدوية من أنواع معينة بكميات كبيرة بحجة نقصها خلال الأشهر المقبلة ، وينتج عن هذا التصرف احتكاره الدواء فترة معينة وبالتالي يصبح مخزوناً لدى الصيدلية ، وعادة ماتجرى تلك العملية فى دواء رخيص الثمن وربحه بسيط جداً ، يرى الوكيل أنه لافائدة من تخزينه لديه ويحاول تصريفه .«اليوم» تواصل في الجزء الثاني فتح ملف ارتفاع وتباين أسعار الأدوية بالمستشفيات والمستوصفات الخاصة ونقصها أو غيابها بالمستشفيات الحكومية، وتجولت على العديد من المستشفيات وتركت المجال مفتوحا أمام أصحاب المهنة للرد على آراء المواطنين التي طرحت أمس . اتهم صيدلي بإحدى المستشفيات رفض الكشف عن اسمه « وكلاء الأدوية بأنهم السبب الرئيسي خلف الأزمة الحالية ، نتيجة تحكمهم فى كمية الدواء بالسوق وتوفيره وقت الأزمات. حيث يقنع الوكيل الصيدليات بتخزين أدوية من أنواع معينة بكميات كبيرة بحجة نقصها خلال الأشهر المقبلة ، وينتج عن هذا التصرف احتكاره الدواء فترة معينة وبالتالي يصبح مخزوناً لدى الصيدلية ، وعادة ماتجرى تلك العملية فى دواء رخيص الثمن وربحه بسيط جداً ، يرى الوكيل أنه لافائدة من تخزينه لديه ويحاول تصريفه . ويقترح الصيدلي إجبار وكلاء الأدوية على توفير الدواء الذي تعهد بتوريده على مدار العام شهريا وليس كل عدة أشهر، وتكثيف المتابعة والمراقبة لمحاسبة مخالفي الاشتراطات لتلافى السقوط في نفس الدائرة مرة أخرى .
مخالفة الأنظمة في بيع «المخزون » تحذر مصادر من الاستهانة بأدوية الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط وكأنها حلوى يتناولها المريض فى أي وقت شاء ولكن فى المقابل نجد الدول المتقدمة لاتصرفها الا بواسطة استشاري متخصص ، وحول مخزون الأدوية يضيف بأنه حينما يتم بيع الدواء المخزون حسب السعر الجديد « بعد الزيادة»، دون الرجوع للسعر القديم الذي تم استيراده به بمعرفة الشركة ، فهذه مخالفة صريحة للأنظمة والقوانين ويجب القضاء عليها فى أسرع وقت ، وحول نقص أدوية الأمراض المزمنة يؤكد الصيدلي « أ و س» أن الصيادلة يعانون من أصحاب الأمراض المزمنة بسبب اتباعهم سياسة العناد وافتقادهم التوعية والتثقيف، فغالبا يطلب المريض من الصيدلي توفير الدواء لمدة 6 أشهر، كي لايقوم بمراجعة الطبيب مرة أخرى كل شهر تقريباً ، وهو بذلك لا يعي أن مراجعة الطبيب كل شهر أوحسبما يحدد لصالحه بالتأكيد، فقد يكون تحسن وضعه الصحي ويصبح بالتالي لا يحتاج إلى صرف هذا النوع من الدواء الذي اعتاد تناوله.
الأصناف «الرخيصة» ممنوعة بالصيدليات يكشف صيدلي عن تجاهل الصيدليات ، توفير الأدوية الرخيصة بشكل تام حتى وان كانت ذات أهمية عالية مثل علاج «الذبحة الصدرية «، ويؤكد انه على الرغم من أهميتها إلا أن انخفاض سعرها يدفع البعض للاستغناء عنها وعدم توفيرها أو قد يطلبون من الوكلاء زيادة سعرها وهامش الربح للاستفادة من تداولها بالسوق ، وبالتالي يتبين بوضوح ان الذي يحدد السعر وهامش الربح هو الوكيل وليس وزارة الصحة ، مما يعد مخالفة صريحة للأنظمة والقوانين ويقترح أن يكون هناك تدخل حكومي واضح وملزم للجميع ، من خلال تحديد السعر للمستهلك وللبائع وبالتالي يصبح هامش الربح من حصة الوكيل نفسه ، ويذكر صيدلي بمستوصف خاص انه يجب الا يكون هناك إجبار لوكلاء الأدوية على توفير أدوية لا بدائل لها ، مؤكدا ان هناك حل أمثل لتلك المشكلة وهو توفر صيدليات بكل منطقة وحي على أن توفر بها الأدوية التي لا بدائل لها على مدار العام تماماً كما يحدث بعدد من الدول المجاورة كمصر مثلاً.
آلية صرف عشوائية وعقاقير منخفضة الجودة يكشف "ع.ع" الصيدلي بأحد المستشفيات الحكومية عن عدم وجود نقص فى الأدوية بالشكل المتعارف عليه ، وانما هناك آلية عشوائية بعيدة كل البعد عن المنهجية، ويشير الى أن الأدوية متوفرة ولكن تتبقى الخدمة الطبية الكاملة، مرجعا ذلك الى عشوائية الخدمات والبعد عن المنهجية في تقديم سير طبي لصالح المرضى والمراجعين وهو ما يفسر كل تلك الاتهامات، فتجد الطبيب يصرف العلاج الدوائي للمريض دون أن يشرح له الفوائد والمضاعفات التي قد تتسبب جراء التعاطي لهذا العلاج، فيأتي المريض الى شباك الصيدلية دون أن يعرف شيئا مما يجعلنا نشرح له أدق التفاصيل، فبخلاف مشكلة نقص كفاءة الصيادلة تظهر على السطح مشكلة أخرى وهي القيام بجزء من مهام الطبيب فى الاساس ، ولو كانت هناك كفاءة عالية يمكن الاعتماد عليها لما كتب الطبيب المدة والكمية التي يحتاجها المريض وتركها للصيدلي ، ويضيف بأن شركات الأدوية المرخصة من وزارة الصحة للأسف ذات جودة متوسطة، فعلى الرغم من وجود شركات أعلى جودة الا أننا نجد الوزارة تبحث عن اصناف ذات قيمة اقل بالنسبة للأدوية الإسعافية، أما بخصوص ادوية الأمراض المزمنة فهي متوفرة وبكثرة وبجودة عالية ولكن منذ عام و نصف تقريباً أصبحت أدوية السكري والضغط متباينة بالأسعار، ورغم أنني صيدلي حكومي الا أنني اشتري الأدوية من الصيدليات الخارجية لأنني أعلم ان المتوفر بالصيدليات التابعة للمستشفيات الحكومية ذات جودة متوسطة الى منخفضة.
صرف الأدوية المجانية بكميات كبيرة للمرضى
مستوصف الحي تحوّل ل «ضمان اجتماعي» في غياب التخطيط يؤكد مسئول بأحد المستشفيات الحكومية ل «اليوم»أن ما نعانيه جراء أزمة نقص الأدوية هو موضوع متسلسل يبدأ منذ ولادة الفرد ولو قارنا الوضع عندنا ببريطانيا مثلاً ، نجد فرقا شاسعا بيننا وبينهم رغم امتلاكنا امكانيات كبيرة لاتقل عنهم، فالطفل منذ الصغر يتلقى المضاد الحيوي جراء أي مرض يصيبه صغيراً كان أم كبيرا، وبالتالي وبعد تكرار إعطائه هذا الدواء يصبح جسمه بعيدا عن المناعة وبالتالي يصبح جاذباً للأمراض بكل سهولة ، وما نستنتجه هنا هو أننا لو منعنا استخدام المضاد الحيوي منذ البداية ما كان استخدامنا للعلاجات الدوائية بالصورة المخيفة كما يحدث الآن ، فلكونها أدوية مجانية تصرف بكميات كبيرة وكأن المريض أو المراجع يخرج من مجمع تجارياً وليس مستشفى، بينما نجد فى بريطانيا مثلا تشديدا على صرف الأدوية بشكل غير معقول وكأنها ممنوعات بالإضافة إلى أن الطبيب الذي يصرف العلاج للمريض متخصص واستشاري وليس طبيبا عاما كما يحدث لدينا «مع الأسف «علماً ان بريطانيا لا تستهلك 50 بالمائة من كمية الأدوية التي تُصرف بالمملكة ، ويضيف المصدر بأنه على الرغم من وجود نظام «مستوصف الحي» لدينا إلا أنه غير مفعّل أبدا، ففي بريطانيا مثلاً نجد أن صرف العلاج لايتم الا عن طريق هذا المستوصف التابع لكل حي وبالتالي هم بعيدون عن امكانية استلام الدواء من أي صيدلية كانت لتلافى المتاجرة بهذا العلاج، وهنا تشير أصابع الاتهام إلى إدارة التخطيط الاستراتيجي بوزارة الصحة، بعد أن أصبح مستوصف الحي بالمملكة وكأنه « ضمان اجتماعي».