يجيء «اليوم العالمي للسل» في 2018، تحت آفاق يبدو معها ذلك الوباء المخيف، بل مجموعة كبرى من الأوبئة المعروفة، تهديداً قزماً! يكفي التأمل في حادثة «سالزبوري» التي ضُرِبَ فيها الجاسوس الروسي المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا، بغاز «نوفيتشوك» المشتق من غاز الأعصاب «سارين»، وهو من أسلحة الدمار الشامل، وفق تصنيف «منظمة حظر الأسلحة الكيماوية». ليس مبالغة وصف الحادث بأنه أول هجوم بسلاح دمار شامل في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وبعيداً من تقاذف التهم بين لندن وموسكو عن المختبر الذي صنع ذلك الغاز القاتل، تثير تلك الهجمة مخاوف متجددة عن أوبئة لا تعرفها الإنسانية ربما انفلتت من مختبر ما في دولة متقدمة علميّاً، ويكون منخرطاً في تجارب عن تطوير بكتيريا شرسة أو فيروسات ضارية، ربما لتكون سلاحاً استراتيجياً. ماذا لو تسرب إلى تنظيمات ك «القاعدة» أو «داعش»، ليكون سلاحها في ضربة إرهاب بيولوجي؟ في تلك الحال، ينفلتُ وباءٌ لا تملك البشرية ضده أدوية أو لقاحاً على غرار ما فعلته ضد مرض السل. الأنكى أن ملايين البشر ربما قضوا حينها، قبل أن يتم التعرف إلى الميكروب الذي يتسبب في وبائها، فيما تعرف العالم الى بكتيريا السل منذ العام 1882، بفضل الطبيب البارع روبرت كوخ. وفي العام 2015، في عز الصراع مع فيروس «إيبولا» في دول الساحل الأفريقي، أطلق بيل غيتس، المؤسّس الأسطوري لشركة «مايكروسوفت» العملاقة، صرخة عن أوبئة مقبلة ربما لا تكون للبشرية طاقة بمجابهتها. وأرسل غيتس تلك الصرخة إلى مجموعة من كبريات الصحف عالمياً من بينها «الحياة» التي نشرته في منتصف آذار(مارس) 2015. درس «الشتاء القاتم»: البشر غافلون! استهل غيتس صرخته التي حملت عنوان «الموجة المقبلة من العدوى»، بالإشارة إلى أن «المأساة الهائلة التي تعيشها غينيا وسيراليون وليبيريا، لأن ما ضربه وباء «إيبولا» تجاوز الخسائر البشريّة، ووصل إلى تحطيم نظم الصحة والاقتصاد في تلك البلدان. ونجحت صدمة الوباء في التنبيه إلى الكارثة التي سوف تحملها موجة عالميّة من العدوى، ربما تنطلق من أسباب عادية أو بأثر من إرهاب بيولوجي. لنتذكر أنّ وباء الإنفلونزا قضى على ما يزيد على 30 مليوناً بين عامي 1918 و1920. وأثبتت موجة «إيبولا» أنه ما لم يتأهب العالم بشكل مناسب، فالكارثة التي تسببها عدوى ما في المستقبل، ستكون فادحة تماماً». وأضاف غيتس: «من المفيد المقارنة بين استعداداتنا لمواجهة الأوبئة، وما نفعله استعداداً للحروب. إذ يملك حلف ال «ناتو» فِرَقاً كبيرة مجهزة للتدخّل في حال اندلاع طوارئ، وتتدرب على تفاصيل عملياتها في مواجهة الكوارث، كتأمين إمدادات الطعام والمياه والوقود ونُظم الاتصالات وأجهزتها التي سوف تستخدم حينها... في الولاياتالمتحدة، كانت مناورة «الشتاء القاتم» في العام 2001، هي المرَّة الأخيرة التي تمّ فيها التدرّب على مواجهة وباء عالمي. ولم تلتزم سوى دول قليلة ب «قوانين الصحة العالميّة» التي وُضعِتْ لمواجهة وباء «سارس»، فيما يعجز معظم الدول عن إنشاء «مركز لعمليات الطوارئ» خلال ساعتين من اندلاع وباء عالمي، وهو من شروط «الأجندة العالميّة للأمن الصحي» التي أُقرّت في العام 2014»! وفي سياق شرحه لتصوّره عن نظام ملائم لاحتواء الأوبئة المقبلة، قال: «يقدِّر «البنك الدولي» أن موجة واسعة من وباء الإنفلونزا بإمكانها أن تخفض ثروة العالم بقرابة 3 تريليون دولار، ويرتفع الرقم إلى 7 تريليونات دولار إذا انفلتت من السيطرة، إضافة إلى ملايين الأرواح. وكي نكون مستعدين لمواجهة تفشٍ وبائي شرس، اقترح مجموعة من الإجراءات الأساسيّة، يتصدّرها تدعيم نُظُم الصحة العامة والرعاية الصحيّة الأوليّة، مع تجهيز بنى تحتيّة ملائمة وفعّالة. يجب الارتقاء بنُظُم مراقبة الأمراض التي تغيب عن معظم الدول الفقيرة، على رغم أنها هي المرشحة لتكون نقطة الانطلاق في مواجهة كل وباء مقبل. وفي ربيع 2014، رصدت منظمة «أطباء بلا حدود» إصابات ب «إيبولا» في غينيا، لكن لم تكن هناك أموال مجهزّة سلفاً لتقصي إمكان اندلاع وباء، فكان ما كان». ونبَّه غيتس إلى الضرورة القصوى ل «تجهيز العنصر البشري. يجب التدريب بصورة فعّالة على مواجهة الأوبئة، بمعنى أن يكون كل كادر مدرّباً على أداء ما يجب أن ينهض به في حال الوباء. يجب أيضاً تجهيز وسائل النقل والمعدّات، وأن تكون في حال استعداد دائم لمواجهة الطوارئ، وكذلك الحال بالنسبة لنُظُم العزل الصحي. هناك أهمية قصوى لنُظُم المعلومات وتبادلها، والتدرّب على استمرارها في العمل أثناء الطوارئ. لا مناص من التشديد على إعداد المعدات الطبيّة والأدوية، وإعطاء أولوية كبرى للعمل على صنع لقاحات للأوبئة». واختتم غيتس صرخته المدويّة بالتشديد على ضرورة تنسيق الجهود عالميّاً لمواجهة الإرهاب البيولوجي، باعتباره مصدراً محتملاً لموجة وباء شاملة في المستقبل. ترى ما الذي فكَّر به غيتس أثناء متابعته النقاشات بشأن ضربة سلاح دمار شامل في «سالزبوري»؟